هذا ما سنراه في مذكرات جاسوس الإسكندرية (فؤاد حسن علي حمودة) الموظف بشركة المضارب . . والذي دخل النفق المظلم – نفق المخابرات والجاسوسية – بسبب حب "نوسة" . . وقاده الحب المدمر الى النهاية الطبيعية لكل جاسوس خائن . . !!
ضحية عشق نوسة
أفاق على صوت مزلاج باب زنزانته الحديدي فارتعد جسده النحيل، ونظر باتجاه الباب في رعب لتصطدم عيناه بوجه الشاويش حمدون يطل عليه بملامحه الجامدة وشاربه الكث، وكأنه تمثال قُد من صخر.
دفع "جراية" الطعام بعيداً وغاص في خوفه وهو يتأمل بزته الحمراء فانتفض بدنه في رجفة لا إرادية .. ثم انكفأ بوجهه بين ركبتيه يحيطهم بيديه المرتعشتين وأجهش في بكاء مرير، وارتفع نشيجه يشق سكون الزنزانة الضيقة المعتمة، إنه يموت كل يوم آلاف المرات كلما سمع وقع أقدام تتحرك أو صوت مزلاج يفتح.
كان أمله الأخير ألا يصدق رئيس الجمهورية على حكم المحكمة ولكن خاب أمله وضاع. فلماذا إذن لا ينفذون حكم الإعدام سريعاً؟ ولم هذا الموت البطيء؟ أيكون الانتظار عقاباً نفسياً قبل الشنق؟
هكذا تساءل فؤاد حمودة وهو حبيس الزنزانة الانفرادية في سجن مزرعة طرة .. وتحسس رقبته للمرة المليون وصرخ بأعلى صوته . . لا . . لا. . لست جاسوساً لإسرائيل . . أنا ضحية .. أنا ضحية الفقر . . وأخذ يضرب الأرض الباردة وهو يردد في وهن: وضحية حب نوسة . .
وسكنت حركته بعدما استسلم لواقعه ولمصيره . . وتمدد على "البرش" ثم تقلب وتكور متوسداً إحدى يديه ضاغطاً بالأخرى على أذنه . . فيسمع صوتاً يشبه هدير موج يتعاقب، وضربات قلبه اللاهثة تدق في اضطراب تعلن عن مدى الخوف الذي سكن بأعماقه .. والرعب الذي يخترق أفكاره ويشتتها.
ارتد الى الوراء يتذكر بدايته وتسلسل حياته الى أن صار جاسوساً لإسرائيل. مدفوعاً بحب نوسة العجيب . . حب دفع بالحبيب الى حبل المشنقة.
وبعد إعدامه عثروا في زنزانته على لفافة من الأوراق سجل بها قصة حياته بإيجاز أحياناً. . وبتفصيل مطول أحياناً أخرى.
إنها قصته مع الحياة . . ومع الحب . . ومع الجاسوسية. يقول فؤاد في مذكراته التي خلفها وراءه:
. . . كان والدي موظف بسيط في الحكومة وأمي لا تعمل . . وكانت الأسرة كبيرة العدد قليلة الدخل والأفواه لا تكف عن المضغ والطلبات ترهق الأب . . فتحيل نهاره الى سعي وشقاء وليله الى نوم متقطع وسعال.
كنت الإبن الثالث ومن بعدي ثلاثة آخرون. أنهيت تعليمي المتوسط وجلست أنتظر فرصة للعمل. ولم يخطر ببالي أنني كنت أنتظر نقطة البداية التي سأنطلق من خلالها الى خط النهاية بسرعة البرق. مدفوعاً بقوة لا أستطيع مقاومتها. . ذلك أنني رفعت سماعة التليفون ذات مساء ممل . . فجاء صوتها كالنسيم رقيقاً حنوناً بعث الدفء بأعماقي . . ودار بيننا حديث طويل امتد لقرب الصباح.
كان اسمها نوسة طالبة في الدبلوم. تسكن في سبورتنج. . تكرر أحاديثنا التليفونية لعدة أيام متصلة. . فالتهبت حرارة الأسلاك وهي تحمل جرعات الرغبات المتزايدة التي ترسلها نوسة بصوتها الأنثوي المسكر . . وكأنه خمر ينصب رقراقاً خلال سماعة التليفون. ونسيت مع مكالماتها وحدتي برغم الزحام والضجيج في شقتنا. . واتجهت لكتابة الشعر . . تبدلت حياتي كلها .. إذ أصبحت نوسة هي شاغلي ومشاغلي . . أنام على صوتها وأصحو .. وأحس معها بالمرارة التي تغلفها أحياناً رغم أنها وحيدة أبويها .. وتقوم أمها على خدمتها وتعاملها كملكة على عرش قلبها.
كانت فتاة مرفهة الى درجة الجنون رقيقة لا تتصنع. . مثيرة لا تتركني أهدأ . . أو تخمد نيران رغباتي تجاهها برغم سنها الصغير وقلة خبرتها بالحياة.
لكنها برغم ذلك استطاعت أن تحكم قيدها حول حواسي . . فأدور في فلكها كالمنوم. . حتى وهي تحاول أن تستدرجني لأحاديث الجنس كنت أبدو كالأبله . . فأنا لا أعلم شيئاً عنه. إلا أنها تمادت في استدراجي فتجاوبت معها عبر الأسلاك يشجعني صوتها الذي يحرك الجبل وهتفت في نفسي لأرفض وهي تضغط. أرفض وهي تقتل قوتي وتحصد مقاومتي ورفضي بتأوهات يفور لها جسدي كبوتقة تغلي . . ولما فشلت معها أرقتني الرغبة المحبوسة فتأثرت لحالي. . وفوجئت بها تعرض علي أن أزورها بمنزلها بعد منتصف الليل . ثم تحول العرض الى دعوة ملحة . . وضايقها ترددي وخوفي. لقد كان عمها المحامي يسكن في الشقة العلوية وهذا الأمر أخافني. . إلا أنها دبرت كل شيء في جرأة مدهشة. . فذهبت اليها بعد منتصف الليل في إحدى الليالي الباردة مدفوعاً برغبتي العنيفة . . وكان هذا أول تدريب لي على عمل الجاسوسية.
وعندما جلست بجوارها على حافة السرير – على بعد خمسة أمتار من حجرة والدها – سألت نفسي: هل حبيبتي مومس تخدعني أم هي مراهقة تحب؟ وغادرت شقتها لا أصدق أنني نجوت بحياتي من مصير مجهول. وأعترف أنه برغم سعادتي برجولتي . . إلا أنني فقدت أشياء لذيذة كنت لا أريد مسها . . وأهمها أنني فقدت بعض ثقتي بها . . ولكن صديقي حاتم أكد لي أن الحب أعمى . . وأن الفتاة تسلم كل شيء لحبيبها عن قناعة ورضا لأنها تحب.
وبعد عدة أيام دعوتها الى شقة أختي المسافرة الى الخارج مع زوجها فجاءت نوسة بسهولة .. وبسهولة أكثر جعلتني أخلع عنها ملابسها دون أن تصدني ولو كذباً وكأنما هي اعتادت ذلك من قبل . . لكن الذي أذهلني بحق هو أنني فوجئت بها ليست بكراً . .
صفعتني المفاجأة وتحطمت ثقتي بها وفي كل بنات جنسها وأغمضت عيني عن هذا الخطأ مؤقتاً. لقد كنت أحبها ولذلك تعمدت ألا أذكر هذا الأمر ثانية . . لكنها هاجمتني بعنف واتهمتني بأني ضيعتها. أخذتها الى أشهر دكتور في الإسكندرية فلم يصارحني بالحقيقة. . ونسينا الأمر برمته، وكنت لا أستطيع فراقها أو ابتعادها عني. فلقد صارت في دمي . . !!
إفعلْ شيئاً لأجلي
وتصف لنا مذكرات جاسوس الإسكندرية أدق خلجاته وإحساساته. كتبها في لحظات صدق مع نفسه قبل أن يلتف حبل المشنقة حول رقبته. وكان قد تقدم بالتماس الى الرئيس أنور السادات يطلب تخفيف حكم الإعدام ولم يصل الرد بعد على التماسه الذي كان هو الأمل الأخير له في إنقاذه.
ولأنه عاش كثيراً يحلم بتحقيق هذا الأمل. . فقد اتسمت مذكراته بالسرد الدقيق والوصف الرائع لكل جوانب حياته. صفحات بلغت أكثر من مائتي صفحة تحمل مشاعر جاسوس خائن . . اعتقد أن الحب كان السبب الرئيسي في وقوعه في جبّ الجاسوسية العميق المظلم.
يقول الجاسوس:
في زنزانتي الرطبة الضيقة .. أنام يقظاً مع انسحاب الشمس وأصحو مع أول خيوطها. وما بين النوم واليقظة ترتعش حواليّ كل الصور .. وترهبني خطوات السجانين طوال الليل. . فأظل أنصت مرعوباً وهي تقترب فأحس باقتراب الموت .. وتبتعد فأتنهد. . ثم يتملكني الهلع. وهكذا كنت لا أنام ولا أهدأ . . أتخيل وجه نوسة الرائع وهي بين أحضاني . .أرتشف من أنوثتها لذاذات جميلة .. وأحسو شراباً مسكراً ومعتقاً .. وأعيش معها أجمل لحظات عمري نخوض معاً بحور المتعة .. ونجوب نبحث عن مشتقات أخرى للنشوة تغتال فينا الملل والكآبة ..
ولم تكد تمر عدة أشهر . . إلا وخطبت نوسة فجأة وانشغل تليفونها عني في المساء، فجن جنوني وأقسمت أن أفوز بها ولا أتركها لغيري بعدما أدمنتها. . لكنها كانت تتهرب من لقائي وجنوني. . وتملكني الشعور القاتم بالهزيمة وأنا أضرب رأسي بيدي وأرتجف غضباً وأردد: "أيتها المومس الحقيرة .. أحبك . . أحبك بوجهك الطفولي البريء وصوتك الساحر . . أحبك وأنت تصعدين ورائي الى الطابق الخامس في شارع "الجلاء" ترتدين زي المدرسة وتحملين حقيبتك .. وتنشدين ما يكفيك من النشوة لعدة أيام قادمة .. أحبك يا عاهرة كاذبة . . ولن أنسى يوم خطبتك لهذا المغفل الذي نزف عليك مئات الجنيهات كما نزفت أنا معك رجولتي".
يومها . . طلبت مني والدتي أن أقرأ عليها عدة صفحات من رواية عاطفية . . فجلست أقرأ لا أدري أي سطور قرأت وقد اختنق صوتي وتلجلج لساني . . وبكيت بكاء الضائع الذي فقد الطريق والأمان.
ثلاثة أشهر وعادت نوسة ذليلة يغشاها انكسار الهزيمة بعدما فشلت خطبتها .. ولم تمهلني الوقت لأفكر فاستردتني سريعاً واحتوتني من جديد فقلت لها:
أنا لم أكرهك يوماً. . أحبك وإن كنت عاهرة تستأجر.
فؤاد – يا فؤادي . . يا حياتي . . اشترني ولا تبخس الثمن.
اشتريتك.
سافر وكافح من أجلي . . سافر الى أي مكان في الدنيا وعد بالثمن.
قلت لها:
لقد عينت في شركة مضارب الإسكندرية بسبعة عشر جنيهاً.
قالت في يأس:
لن نتزوج إذن قبل عشر سنوات.
أهلك يبالغون في المهر.
سافر لعام واحد وسأنتظرك . . سافر .. إنه الحل الوحيد لنا.
لا أملك مصاريف السفر . . أنت تعرفين كل الظروف.
ألم تخبرني أن شقيقتك ستعود عما قريب؟
نعم .. أرسلت لنا بأخبار عودتها بعد شهر ونصف.
اقترض منها مبلغاً وخذ مني هذه الإسورة.
وأضافت وأنفاسها تلهب وجهي:
إفعلْ شيئاً لأجلي. وسأظل أنتظرك وأنسج ثوب عرسي كما كانت تفعل "بنيلوبي" قديماً.
في جوتـــن نخــــت
ومنذ تلك اللحظة . . قررت أن أسعى للسفر خارج مصر. كانت الأبواب مغلقة في وجهي . . وحرب الاستنزاف على أشدها بين مصر وإسرائيل . . وهناك مفاوضات من أجل الهدنة والأمور سيئة وتزداد سوءاً.
عادت شقيقتي من الخارج وعندما طلبت منها قرضاً أحالتني الى زوجها الذي تهكم وسخر مني .. وعندما علم والدي عنفني بشدة .. وأشفقت والدتي على حالي فأعطتني آخر ما تملكه من حلي فلما قبلت يد شقيقتي مرة أخرى وقلت لها أنقذيني من جنوني منحتني سبعة وعشرين جنيهاً. . ولم تمر عدة أيام إلا وكنت أجمل في جيبي تذكرة طائرة الى بون. . وسافرت الى ألمانيا الغربية يملؤني إحساس بالمرارة والظلم والضعف.
كانت معي رسالة الى أحد المعارف في مدينة دوسلدروف شمال بون. . وعندما التقيت به نظر إليّ كمن ينظر الى كلب أجرب. . حتى صديقته الألمانية كانت تسخر مني وتضحك كأنها ترى بلياتشو برغم أنني لا أعرف كيف أكون مضحكاً فأُضحك الناس. وكنت قد مررت في طريقي بمدينة ساحرة إسمها كولون. .فعقدت العزم على العودة إليها وأغامر علني أوفق بمفردي ورجعت جنوباً حتى كولون الواقعة على نهر الراين الخلاب .. فسحرتني المدينة الأنيقة واستولت على عقلي ..
عثرت على بنسيون رخيص اسمه "فارسبورجر" تديره سيدة بشوش اسمها بيرجيت كلاين كانت تعاملني بلطف . . وبإنجليزية ركيكة شرحت لها ظروفي ورغبتي في العثور على عمل فتأثرت لحالي.. وبعد يومين ذهبت الى مصنع بويات يمتلكه زوج ابنتها بيتر راينهارد يقع على أطراف المدينة . . وبعد عمل متصل ليل نهار لعدة شهور استطعت أن أجمع خمسة آلاف مارك . . فأرسلت خطابي العاشر الى نوسة أطمئنها. وبرغم إلحاحي في الرد على رسائلي لم يصلني منها خطاب واحد. . فانتابني قلق شديدة ولم أتمكن من مكالمتها تليفونياً فكتبت الى صديقي حاتم أطلب منه موافاتي بأخبارها. . وكان الانتظار يقلقني بل ويفتك بأعصابي. .
كانت نوسة رغم الجميلات من حولي هي الأجمل والأرق والأروع ولا تفارق خيالي للحظة وأحلم باليوم الذي يجمعنا .. لذلك . . كنت أعمل بجد وردية ونصفاً وأفرتش ورق الكرتون وأنام .. يرفرف خيالها حولي وذكرها يمدني بالقوة ويمنحني الصبر . . وتعلمت كيف أحرم نفسي من أبسط الأشياء لأدخر وأعود إليها مرفوع الرأس . . ولما جاءني الخطاب المنتظر من حاتم ارتعش قلبي لرؤيته. . فما بين سطوره يحدد لي مصيري واتجاهات حياتي .. وملأني شعور غامض بالخوف وأنا أفتح الورقة المطوية .. وزلزلتني المفاجأة التي لم أتوقعها قط: نوسة تزوجت منذ شهرين وانتقلت للإقامة في "الكنج مريوط".
لطمتني العبارة بعنف فأصابني دوار وأطبقت الجدران على أنفاسي . . وأيقنت أنها ضاعت مني الى الأبد. وأيقنت أيضاً أنها طراز غريب من النساء من الصعب نسيانه. . وعلى امتداد البصر في الخيال والواقع لا أرى سوى وجهها الطفولي البريء ويتجسم أمامي جسدها الأنثوي فأتحسسه:
كان الجليد يتساقط كأنه ندف من القطن الأبيض الناصع في شهر فبراير 1970 والباص يقلني الى شارع "كلنجهاوس" مشيت وسط الزحام لا أنوي على شيء ودون قصد اتجهت الى شارع "فينشا".. حيث أضواء الكباريهات تتلألأ متراقصة . . والداعرات يقفن على النواصي يساومن المارة. وما إن عبرت الى الناصية الأخرى من الشارع متجهاً الى كباريه "جوتن نخت" الشهير . . قذفت واحدة منهن بنفسها في طريقي فأزحتها بيدي . . ودلفت الى داخل الكباريه لأول مرة في حياتي. . شربت ورقصت وسكرت .. وبدلاً من الذهاب الى حجرتي في المصنع، ذهبت الى بنسيون فارسبورجر.
دهشت السيدة كلاين وطلبت منها ألا تسألني عن أي شيء فسحبتني الى إحدى الحجرات . .ومنذ ذلك اليوم لم أعد أقيم للأمور وزناً. .
تساوت عندي كل المتناقضات وأحاطتني قتامة من اليأس والاهتزاز . . وتفاعلت بداخلي ثورات من الشك والحزن والكآبة . . وصرت زبوناً دائماً في جوتن نخت، أمر على محل هورست للملابس فأصحب "كريستينا" للعشاء ثم نسهر ونشرب حتى الثمالة .. هي الأخرى وحيدة مثلي هجرت أسرتها في دار مشتات هرباً من ذكرى حبيب غدر بها. وتركت البنسيون وأقمت معها في غرفتها نتعاطى الجنس كالطعام لننسى أننا خدعنا.
وعندما أنفقت آخر مارك كان معي تأففت كريستينا وتملكها الضجر .. فذهبت الى المصنع مرة أخرى فلم أجد عملاً هناك حاولت أن أجد فرصة عمل بمكان آخر لكن الظروف كانت كلها ضدي. . فعجزت عن الإنفاق على نفسي. . وطردتني كريستينا من شقتها . . ونبهتني السيدة بيرجيت كلاين صاحبة البنسيون لكثرة ديوني ولما عضني الجوع ذهبت الى الكباريه أطلب عملاً. . أي عمل.
ولأنني زبون معروف لديهم صعد بي أحدهم الى الطابق العلوي حيث مكتب المدير الفخم . . استقبلني الرجل بحفاوة بعدما اكتشف أنني مصري . . وأخبرني أنه زار مصر منذ عدة سنوات وسألني عنها فقلت له بقرف "زي الزفت". . لقد كنت في حالة نفسية سيئة والجوع ينهش معدتي . . ويطاردني شبح ترحيلي الى مصر خاوي الوفاض تنوء حقائبي بيأسي وفشلي . . وسألني الرجل مرة ثانية.
لماذا جئت الى هنا؟ "يقصد ألمانيا".
قلت في أسى:
الفقر والحب. .
وبعد أن سردت عليه قصة حياتي بإيجاز .. أسف لحالي . . وبصوت به رنة الواثق قال:
بإمكانك أن تصبح مليونيراً .. المهم أن تكون أكثر ديناميكية وتعاوناً. .
ضحكت في تعجب وسألته:
مليونيراً؟ كيف وفي جيبي أحد عشر ماركاً ونصف ولا أنطق بالدوتش وإنجليزيتي مهترئة .. كيف؟
ترك جوتل هاوزن مقعده خلف المكتب وجلس قبالتي يفرك يديه وقال:
نشأت مغامراً شجاعاً أكره الخوف والجبناء .. سنوات قليلة وكنت شريكاً في هذا النادي ثم امتلكته لأنني دست على أشياء كثيرة لكي أحقق طموحاتي .. وأعرف أن الرجل الشرقي عاطفي يخشى المغامرة ومقيد بتقاليد وأعراف.
سيد هاوزن أنا مستعد لأية مغامرة تنتشلني من الفقر والضياع.
إذن . . إنس أنك مصري . . مسلم .. وتذكر فقط أنك هنا . . في ألمانيا الغربية . . في أوروبا.
سأنسى .. لا أريد أن أتذكر هذا الماضي اللعين .. أريد أن أكون إنساناً آخر.
ضغط الرجل على زر فجاءت فتاة رائعة مثيرة والتفت الي قائلاً:
هذه سيلفيا . . من الآن سترافقها في سفرها الى ألمانيا الشرقية لبعض الأعمال التجارية.
ابتسمت سيلفيا ونظرت إليهما في بلاهة .. وعندما أوشكت على سؤاله عن عملي الجديد أصدر أوامره الى سيلفيا بأن تدفع حساب البنسيون وتصحبني الى شقتها. .
وقام الى مكتبه وعد بعض النقود وناولها لي قائلاً:
هذه لك .. وللعمل حساب آخر.
وبينما كان يسلم نقوداً أخرى لسيلفيا أدركت أن المبلغ ألف مارك .. فدارت الأسئلة في خيالي وتساءلت بيني وبين نفسي:
"ماذا سأعمل بالضبط؟"
وقررت أن أغامر وألا أستسلم أبداً مهما كانت المصاعب . . وأفقت على يد سيلفيا تجذبني فمشيت وراءها. . وبدأ منذ ذلك الحين أولى خطواتي على الطريق المجهول . . والذي في نهايته كانت تنتظرني المشنقة.
عيون لا ترى الشمس
وفي شقة سيلفيا الرائعة التي تطل على نهر الراين .. حيث البانوراما تخلب الألباب وتدير الرؤوس .. تذوقت أنوثتها العجيبة التي أنستني نوسة ولهيب حبها .. وبينما كنا عاريين نستريح سألتها:
سيلفيا ماذا سأعمل معك؟
أشعلت سيجارة وجذبت نفثاً عميقاً وقالت:
التهريب .. !!
قلت مستفسراً وقد تملكني القلق:
تهريب. . ؟ تهريب ماذا؟
وهي تنفث دخانها في وجهي:
نحن ندخل الخمور والسجارئر والساعات الى ألمانيا الشرقية مهربة على الحدود.
قمت مسرعاً وارتديت ملابسي وأنا حانق . . واتجهتْ مباشرة الى جوتن نخت وصعدت الى مكتب المدير وتعجب الرجل لرؤيتي وتساءل وهو يهز رأسه:
ماذا بك؟
كان صوتي عالياً في استنكار وأنا أقول:
تهريب الخمور والسجائر يا سيدي لن يبني لي مجداً أو يرفع من شأني . . إنه عمل تافه.
تريد أن نزرع بك الجرأة ثم نوكل إليك الأهم والأكبر.
لو لم أكن جريئاً ومثابراً ما جئت الى هنا لا أملك مالاً أو لغة .. أنا لست سوى فدائي مغامر.
في لهجة مليئة بالتحدي:
أتريد أن تثبت لنفسك أنك مغامر. .
فقلت في اندفاع الواثق:
سيد هاوزن أريد أن أؤكد . . نعم أؤكد لكم أنني جريء لحد المغامرة .. وأريد أن أعمل وأكسب لا أن أخبئ بعض علب السجائر والعصير وأعبر بها كاللص الى الناحية الأخرى من ألمانيا.
قلت لك يا فؤاد أن تهريب السلع تمرين لك لا أكثر.
تمرين على ماذا؟
لمعت عيناه كعيني ثعلب ماكر وبصوت هامس قال:
مهمة سرية جريئة ستكسب من ورائها نصف مليون مارك على الأقل .. إنه مبلغ خيالي قد تشتري به حياً بأكمله في الإسكندرية هه .. ماذا تقول؟
جف حلقومي فجأة وانحبس صوتي وأنا أقول:
اعتبرني قد تمرنت وأنا الآن جاهز للمهمة الكبرى . . أريد هذا النصف مليون ولو كلفني ذلك أغلى ما أملك .. وكل ما أملك.
ابتسم هاوزن وأردف:
أنت لا تملك شيئاً ولكننا نريدك أن تملك.
أنا طوع أمرك يا سيدي.
تناول الرجل كارتاً صغيراً وسلمه لي وهو يقول:
إذهب غداً الى هذا العنوان.
وقرأت: السفارة الإسرائيلية بون شارع ..
فرمقته بنظرة غليظة وقد سرت بأوصالي رعشة .. وقلت بصوت أجش:
وما دخل إسرائيل في تهريب السلع الى ألمانيا الأخرى؟
في بون ستعرف كل شيء .. وسيدفعون لك بسخاء إذا تعاونت معهم.
كان الخوف قد بدأ يساورني وقلت في تلعثم:
تريدونني جاسوساً إذن؟
أجابني بسرعة وكأن رده كان جاهزاً:
إسرائيل ليست بحاجة إليك لتعمل جاسوساً .. فأنت لا تملك هذه الموهبة ولست بالشخص المهم الذي تستخلص منه معلومات سرية.
قبل مغادرتي مصر بوقت قريب قرأت في الصحف عن جاسوس مصري عاطل لا يعمل بالحكومة ولم يؤد الخدمة العسكرية فلماذا اختير جاسوساً وما الفائدة منه؟
اسمع . . طالما نحن في حالة حرب مع العرب – فسوف ينظر الى نياتنا بالريبة والشك ..
تشققت شرايين عقلي عندما نطقها صريحة .. وأحسست بأنني أترنح وأرتجف .. لكني استجمعت قواي الخائرة في صعوبة وسألته:
أنت إسرائيلي إذن سيد هاوزن؟
أنا يهودي ألماني أحب إسرائيل والعرب وأحلم دائماً بالوفاق بينهما.
ودخلت سيلفيا مضطربة. نظرت الى وجهينا تستخلص نتائج اللقاء . . ويبدو أنها فهمت جيداً أن شيئاً ما قد حدث. فهتفت سريعاً:
أوه . . أيها المصري المراوغ . .
وأخرجت منديلها تمسح قطرات العرق على جبهتي. . وكنت لحظتئذ كتائه يبحث عن ملاذ . . يملؤني إحساس غريب أحسه لأول مرة. إنه مزيج من الخوف والطيش واللامبالاة . .
لملمت إرادتي ونزلت معها الى الصالة فشربنا ورقصنا .. واستيقظت في الصباح لأجدها عارية بجواري . . وجسدها الأفروديتي ينفث حرارة تلسع رجولتي .. لكنني كنت قد فقدت الرغبة تجاهها وسافرت بخيالي الى بعيد، الى الإسكندرية، وهجم طوفان من الذكريات والمشاهد واستسلمت هرباً من توتري واضطرابي. فطفت كالطائر فوق كازينو الشاطئ على الكورنيش وتجولت بداخله. . واتجهت الى الركن الذي شهد أروع لقاءاتي مع نوسة . . فتحسست الموائد والمقاعد علني أتنسم عطرها. وعندما اتجهت طائراً الى قلعة قايتباي . . مدت سيلفيا يدها تداعب شعري ولكن هيهات .. لم تخرجني من رحلتي لمسجد سيدي بشر الذي يطل على البحر من مرتفع . . فلكم جلست على أسواره أتفكر في مستقبلي المجهول وحياتي الخاوية .. وكثيراً ما عرجت خلف المسجد حيث تقع المقابر فأنشد بعض الرضى والصبر.
ياه . . هاهي أشجار التين البرشومي على ساحل العجمي تتناثر على مرتفعات التلال وصبيان يرعيان الماعز ويلعبان "السيجا". طفت أتذكر مراتع طفولتي وصباي. . برائحته الآزوتية يلفح وجهي نسيم البحر رطباً . . ويطير خيالي الى محرم بك حيث بيتنا الجميل وضوضاء الباعة الجائلين .. وتوقفت عند يوم سفري حيث وجه والدتي النوراني والدموع تشق أخدودين على خديها . . وبحنان كبير تقبلني وتضمني الى صدرها بحرارة . . وها هو يقف محزوناً . . لم أر والدي من قبل يبكي . . أشعره العجز عن تحقيق آمالنا بحسرة تنطق بها نبرات صوتها الحزينة. وها هي هدير – صغرى شقيقاتي – تخلصت من أحضانها بمعجزة. . كانت تحس بمعاناتي أكثر من شقيقتي الكبرى التي وقفت تقول: دعوه يسافر .. فالسفر يحوله الى رجل.
ودون وعي . . أزحب يد سيلفيا عن صدري ونظرت اليها في "زهق" فانتبهت .. ورفعت رأسها قليلاً لتلمح حبات دموع تعرف طريقها جيداً على وجهي . . وانتابتني رجفة خفيفة فضمتني الى صدرها وقالت:
علام القلق يا فؤاد؟ أنت لن تذهب الى جهنم حتى تضطرب هكذا.
أجبتها بصوت مبحوح مختنق:
سيلفيا . . أنا فقط تذكرت أهلي في مصر.
وهي تضغطني بشدة:
عما قريب ستعود اليهم ومعك آلاف الماركات.
ماذا يريدون مني مقابل هذه الثروة.
أنا لا أفهم في السياسة. لكنهم بلا شك يعملون من أجل السلام وأمن إسرائيل.
أنا أيضاً لا أحب السياسة ولا أفهمها. وما أذكره أن إسرائيل احتلت سيناء والضفة والجولان . . ولا أعرف بالضبط ما هي الضفة أو الجولان؟
أعتقد أنك مصري مقامر . . لديك عزيمة المغامر وإصرار العنيد.
ربما أكون كذلك وإلا ما جئت الى هنا.
قلت لي أنك جئت مديوناً .. أليس كذلك؟
بلى .. جئت مديوناً. . وكنت أتسول مصاريف السفر ذليلاً. حتى والدي . . كان يعتقد بأنني سأخذله . . ولم يكن يثق فيّ للحظة.
زوج شقيقتك قلت لي أيضاً أنه آلمك كثيراً وسخر منك.
كفى . . كفى سيلفيا . . أريد ألا أتذكره. لقد رفض وداعي في المطار وقال باستخفاف سأذهب لاستقباله بعد عدة أيام قادماً بفشله.
هجمت علي مشاهد الإذلال التي عشتها في الإسكندرية وأنا أبحث عمن يمد لي يده بجنيهات قليلة تعينني في سفري . . فامتلأ قلبي غيظاً وغضباً .. وسمعت سيلفيا تقول:
فؤاد لا تحرق أعصابك فأنت مقبل على عمل هام يجب أن تستعد له بذهن صاف.
نعم . . صدقت أيتها الملعونة . . وضممتها مداعباً خصلات شعرها الذهبي الناعم وقبلتها قبلة نارية طويلة وقلت:
متى سنلتقي بهم في بون؟
لم ترد علي فقد استغرقت قبلتها المجنونة وقتاً طويلاً .. ثم انتصبت جالسة فجأة وأخذت تضرب صدري بيديها وتصيح:
من أي أرض أنت أيها الوحش؟
كانت حرارتها قد ازدادت اشتعالاً .. وتعمدت أن تغرقني في مستنقع الجنس ولا أفيق من خمره أبداً .. أنوثتها أسبغت عليها الخبرة أنوثة أقوى . . وبعد أن استرحنا قليلاً أدارت قرص التليفون وتحدثت مع هاوزن. . فلم أستطع فهم حوارهما حتى انتبهت اليها تقول:
ميعادنا الثامنة مساء اليوم في بون؟
نظرت في ساعة يدي وقلت:
75 كيلو متراً يقطعه الباص في ساعة تقريباً حتى بون يجب أن نصل مبكراً. أريد شراء ملابس جيدة من محلات جونتر الشهيرة .
استسلمت لمصيري . . وأغمضت عيني عن المخاطر التي تحدق بي .. فقد كنت كالتائه في الصحراء أكاد أموت عطشاً لو لم أنبش الأرض بأظافري لأشرب. وأخذت سيلفيا تسقيني جرعة زائدة من الثقة في نفسي. . وتؤكد على أنني حر ولا سلطان لأحد علي إلا المال الذي سوف يتدفق من حيث لا أدري. وتمادت في إيهامي بأنني شخصية مرموقة ومهمة حتى خيل إلي أنني رئيس الجمهورية العربية المتحدة. وبيدي حل أزمة الصراع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
وكـــــــــر الحيـــــــة
عندما ركبنا الباص في بون كان نهر الراين عن يساري ينساب رقراقاً متهادياً تغطيه أحياناً أسراب من الطيور البيضاء .. وكانت الخضرة متمد يميناً ويساراً الى مساحات شاسعة .. فتبدو كبساط رائع تتخلله ألوان الزهور الزاهية في الربيع .. وتظهر البيوت الريفية وسط الحقول بشكلها الجميل يبعث شعوراً بالبهجة والهدوء. .
تذكرت النيل وأرض الدلتا تزهو به وترفل في أثواب بديعة من ألوان شتى. وتذكرت الريف الفقير في بلدي وقلت في نفسي إن الفارق الكبير بينه وبين الريف الألماني الذي لا يقارن يعود في الأصل – كما قال هازون – الى حالة الحرب التي سيطرت على مصر. ولولا الحروب لكانت أجمل بقاع الأرض.
هذا الأمر جعلني لا أنبذ فكرة الاتصال باليهود أو التعاون معهم. . إذ صور لي خيالي أنني قد أساهم في خلق مجتمع أفضل في وطني. اعتقدت أيضاً أنني صاحب رسالة يجب أن أؤديها. ولم أقنع عقلي أنني بالتعاون مع الإسرائيليين صرت جاسوساً لهم على أهلي ووطني. ولكن . . تغيرت المفاهيم تماماً بعد زيارتي لسفارة إسرائيل!!
في غرفة رائعة بفندق ماجستيك . . استبدلت ملابسي وتهيأت للقاء المرتقب. . وعند الباب الرئيسي كانت تقف بانتظارنا سيارة أوبل حديثة وقف بجانبها شاب مهذب فتح الباب الخلفي فركبت بجوار سيلفيا وساقاي ترتعشان في قلق لا إرادي . . واخترقت السيارة شوارع بون تحملني الى المجهول. وعندما وقفت أمام مبنى سفارة إسرائيل يعلوها العلم الأبيض ذو النجمة السداسية الزرقاء – نجمة داود – تسمرت قدماي واقشعر بدني كله. . فجذبتني سيلفيا الى الدخل وهي تصيح في دلال:
هه .. حبيبي . . ماذا جرى لك؟
فمشيت وراءها كالمنوم. .
وفي الطابق الثاني من السفارة . . استقبلتنا فتاة بشوش أزالت ابتسامتها بعض الرعب الذي جثم على صدري . . وقادتنا الى غرفة تقع في نهاية ممر طويل.
كانت غرفة مكتب لا أحد بها .. وعلى الجدار كانت هناك صورة لسيدة عجوز وأخرى لرجل لم يعجبني منظره. لقد كانت العجوز تبتسم في خبث بينما هو يزم شفتيه في تحد وشماتة.
خرجت الفتاة ووضعت سيلفيا ساقاً فوق ساق فأظهرت ثلثي فخذيها وقالت بعدما أشعلت سيجارتها:
فؤاد . . الأمر ليس سيئاً الى هذا الحد . . تبدو كأنك تغرق.
أنا؟ . .
نطقتها وكنت في الحقيقة أرتجف بشدة وتصطك أسناني في اضطراب .. ويبدو أن سيلفيا أرادت تهدئتي فقالت بصوت محبب مريح:
بإمكانك أن تنصرف الآن .. لن يمنعك أحد.
تفضل . . مستر فؤاد.
هكذا نطقت باسمي الفتاة التي استقبلتنا وقد دخلت وبين يديها صينية تحمل أطباق الحلوى وأكواب الشاي .. وفي أثرها دخل رجل أسمر شرقي الملامح وبعربية فصيحة صاح كأنه يعرفني منذ أمد:
أهلاً أهلاً يا فؤاد .. كيف حالك؟
صافحني بحرارة وهو يقول:
أنا مصري مثلك .. إسكندراني .. وإسمي إبراهيم يعقوب . . أرجو أن تعتبر نفسك في بيتك هنا.
تمتمت ببضع كلمات غير مفهومة فابتسم ورمق سيلفيا بنظرة سريعة فقامت على الفور وقالت لي:
سأعود حالاً.
وبينما كان يعد ويرتب بعض أوراقه كنت أطرقع أصابعي وبدأ التوتر جلياً على وجهي. ولم يتركني إبراهيم كثيراً إذ التفت إلي كلية وقال:
حدثني عنك هاوزن كثيراً. أما سيلفيا فقالت عنك قصائداً.
ثم أضاف:
ماذا كنت تعمل في كولون؟
في مصنع راينهارد للبويات.
كم كان راتبك تقريباً؟
كنت أوفر ألف مارك من بقية راتبي.
أتريد أن نلف وندور أم نتحدث صراحة حتى نختصر المسافة والوقت؟
أنا لا أفهم شيئاً.
فؤاد . . أنت شاب ذكي وتعرف كيف تستغل المواقف لصالحك. وأنا أعرف أنك تمر بظروف سيئة في مصر وهنا أيضاً. هاوزن قال لي صراحة أنك مغامر عنيد .. رفضت العمل معه في تهريب السلع الى ألمانيا الشرقية لأنك أردت عملاً أهم وأكبر. . وبالتالي عائداً مادياً يتناسب وأحلامك وطموحاتك . أليست هذه حقيقة؟
بلى .
إذن. . عليك أن تعلم جيداً أنه برغم التوتر في الشرق الأوسط والصراع المرير ما بين إسرائيل والدول العربية. . فليس معنى وجودك هنا أننا نريدك جاسوساً. . لا . . نحن لا نريدك أن تخون بلدك .. فأن شخصياً لا أريد أن أتعامل مع الخونة. . ويبدو أن هاوزن كذب عليك كثيراً عندما أكد على أنك قد تكسب نصف مليون مارك بتعاملك معنا . . نعم . . كذب هاوزن فهذا مبلغ تافه . . ولأنك مغامر تبحث عن المال والمجد .. فقد تكسب مليون مارك في لحظة خاطفة. . إن النقود ليست بذات قيمة عندنا . . نحن فقط نحب المجتهدين. . ونعطي بسخاء وبدون حساب إذا م اتأكد لدينا أنك مخلص في تعاونك معنا.
قلت له وأنا أتلعثم ولا أستطيع جمع شتات فكري:
أنا مستعد للتعاون معكم على ألا أصاب بضرر أو ..
لا . . لا . . لن يؤدي ذلك الى إلحاق أي ضرر بك .. مطلقاً .. نحن نريدك صديقاً ونسعى وبشدة للمحافظة على أصدقائنا في أي موقع وفي أي مكان.
قلت وقد تجرأت لفتح مجالات حوار مختلفة:
ماذا إذن تريدون مني؟
نريد أن نتعرف عليك أكثر.
ولعدة ساعات سألني ابراهيم عشرات الأسئلة عن أهلي وأقاربي وأصدقائي .. وعن الإسكندرية والحي الذي أسكن به. وسلمني ملفاً به عدة ورقات طلب مني أن أكتب سجل حياتي وأجيب عن الأسئلة المكتوبة باللغة العربية. وجاءني بخريطة كبيرة للإسكندرية علقها على الحائط وطلب مني أن أحدد موقع منزلي. . ثم علق خريطة أخرى لميناء الإسكندرية وطلب مني أن أحدد له بعض المواقع ففعلت.