.

The Encyclopedia of Do you know the right search engine, you can search for certain information!Choose today if you want a piece of information to search for!
معلومات عن فيروس كورنا
عناوين الاماكن
عرض المشاركات المصنفة بحسب التاريخ لطلب البحث 1952. تصنيف بحسب مدى الصلة بالموضوع عرض جميع المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب التاريخ لطلب البحث 1952. تصنيف بحسب مدى الصلة بالموضوع عرض جميع المشاركات
معلومات عن ميدان التحرير
ميدان التحرير

 

ميدان التحرير، أكبر ميادين مدينة القاهرة في مصر، سمي في بداية إنشائه باسم ميدان الإسماعيلية، نسبة للخديوي إسماعيل، ثم تغير الاسم إلى "ميدان التحرير"؛ نسبة إلى التحرر من الاستعمار في ثورة 1919 ثم ترسخ الاسم رسميا في ثورة 23 يوليو عام 1952.

يحاكي الميدان في تصميمه ميدان شارل ديجول الذي يحوي قوس النصر في العاصمة الفرنسية پاريس.

ــــــــــــــــــ

كان الخديوي إسماعيل مغرماً بالعاصمة الفرنسية پاريس، بل وأراد تخطيط القاهرة على غرار پاريس، وإنشاء ميدان يشبه ميدان الشانزلزيه، وبالفعل كانت القاهرة الخديوية والتي تتلاقى شوارعها في ميدان واسع كان اسمه ميدان الإسماعيلية نسبة للخديوي إسماعيل، والذي أصبح اسمه بعد ذلك ميدان التحرير.

عام 1904 أثار الصحفيين والمهندسين المعماريين والرأي العام مسألة موقع ثكنات قصر النيل بحجة أنها لم يعد مناسباً أن يكون رمز الاحتلال الإنگليزي قريباً جداً من المدينة وبجوار رمز الحضارة المصرية القديمة المتحف المصري وقد وضع موسى قطاوي باشا تخطيطاً للمنطقة

حيث يتم فيه هدم ثكنات قصر النيل وتقام مجموعات سكنية فاخرة تحيط بالمتحف المصري وقد وضع فى تخطيطه أن الشارع الجديد شارع الخديوي إسماعيل سيؤدي إلى مدخل المتحف وعلى جانبيه ساحات متعددة بها تماثيل فرعونية تحدد معالم هذا الشارع كانت المباني في تخطيط قطاوي باشا تصل إلى شاطئ النيل وتقوم على تخيل المنطقة بدون الثكنات البريطانية.

وقد حاول تخطيط قطاوي باشا حل مسألتين رئيسيتين هما خلق البيئة الملائمة للمتحف المصري والاستمرار في النسيج العمراني للمنطقة الاسماعيلية لملء ساحة المدينة حتى هذا الوقت أي المنطقة الفراغ والتى كانت تحتل موقعاً رئيسياً في المدينة ولم يعني هذا التخطيط بانشاء المناطق العامة المفتوحة فقد راعى التخطيط وضعها مع الساحات والحدائق في أماكن أخرى من القاهرة وتخطيط قطاوى باشا للميدان سنة 1904.

ونجد فيه كوبري قصر النيل من ناحية النيل والشوارع القادمة من قصر عابدين إلى الميدان ولكن عيبه أنه تخطيط لتحويل الميدان إلى منطقة سكنية في معظمه وعلى الرغم من الجاذبية فى خطة قطاوي باشا لم تكن هناك أية نية لهدم الثكنات لأن قوات الاحتلال لن ترضى بهذا أبداً.

في مارس 1933 تقدم حسين باشا واصف وزير الأشغال العمومية بخطة لتطوير ميدان الإسماعيلية إلى حسين باشا واصف وزير الأشغال العمومية من محمد فهمي الأمير مهندس بندر المنصورة، وخريج هندسة ليون. تتضمن الاقتراحات وضع مسلة وعدد من التماثيل الفرعونية بقلب الميدان. كما تتضمن وجود مسرح وسينماتوغراف مع متحف صغير.

ومع ذلك بعد تنفيذ معاهدة 1936 وبعد خروج القوات البريطانية من المنطقة وأصبح هدم هذا المبنى الضخم وشيكاً ارتفعت الحماسة في وسائل الإعلام والصحفيين والمهندسين المعماريين نحو ايجاد أفكار عما يجب فعله مع المنطقة وتبارى الجميع فى تقديم الاقتراحات وكان أهمها وأكثرها قبولاً ما نشره محمد ذو الفقار بك من تخطيط لإعادة تصميم منطقة قصر النيل وميدان الإسماعيلية فى مجلة المصور في أبريل سنة 1947.

وتركز تخطيطه فى أن يصبح ميدان الإسماعيلية المركز الثقافي والسياسي للمدينة وترجم هذا من خلال تجميع المباني الإدارية لمختلف الوزارات والادارات الحكومية وعدد من المتاحف بالإضافة إلى مجموعة من التماثيل التذكارية للعائلة العلويه وتحيط بها الحدائق العامة الواسعة وتخطيط محمد ذو الفقار بك الذى نشرتة المصور في أبريل سنة 1947 وهو تخطيط أكثر من رائع وكان سينقل مصر نقلة حضارية كبيرة.

ولكن انشغال حكومة النقراشي باشا في العديد من الأزمات أهمها بوادر حرب 1948 أدى إلى أن يذهب هذا المشروع أدراج الرياح وعلاوة على ذلك تضمنت الخطة بناء برلمان جديد على غرار الكاپيتول فى العاصمة الأمريكية وكان البرلمان المقترح فى التخطيط يقع في موقع الثكنات البريطانية لتحل الهيئة التشريعية الدستورية في مصر محل موقع الاحتلال الأجنبي وهي نقطة في غاية الأهمية.

مع إعلان عناصرالتخطيط المقترح ذكر الوصف أن الحياه الرسمية والسياسية والحياة الثقافية في العاصمة ستكون موحدة في المركز الجديد لإعطاء السياح والزوار رؤية واضحة لمصر المدنية الحديثة وتراثها القديم ويمزج فى راحة بين الرقة والاصاله مع الحداثة والمدنيه وقد نشأت هذه الأفكار من الروح القومية المناهضة للاستعمار في ذلك الوقت ومرة أخرى لم تتحقق هذه الخطة بالكامل.

لكن نفذت عناصر ضئيلة منها مثل إنشاء بعض المساحات المفتوحة العامة ومبنى إداري مجمع التحرير ومن دواعى الأسف أن خطة محمد بك ذو الفقار لم ينفذ منها إلا مجمع التحرير فقط والذي أنشأ سنة 1951 وتكلف حوالى مليون ومائتي ألف جنية وكانت أول فكرة تنفذ في الشرق لتجميع الخدمات للمواطن في مبنى واحد وصممه المهندس محمد كمال إسماعيل وحصل على البكوية ونيشان النيل لانشائه عدة مبانى أخرى.

كما تم تجميل الميدان واقيمت له قاعدة رائعة من المرمر ليوضع عليها تمثال الخديوي إسماعيل الذي كان يصنع فى ايطاليا وانتهى صنعه بعد 23 يوليو 1962 ولذلك ظلت القاعدة خاوية حتى تم ازالته أثناء حفر مترو الأفاق، وتم هدم الثكنة لكن موقعها ظل شاغراً حتى بنى محلها مبنىى جامعة الدول العربية وفندقاً ومبنى أصبح مقرا للحزب الحاكم. بعد ثورة 23 يوليو مرة أخرى حدث تحول فى الوضع السياسي وتم تغيير اسم المنطقة التي تعرف باسم ميدان الخديوي إسماعيل فى أغسطس عام 1952 إلى ميدان الحرية ثم في 2 يوليو 1954، وفي اطار إزالة كل كل ما يمت للعائلة العلوية بصله تم تغيير مسميات 15 شارعاً ومن أهم شوارع القاهرة إلى أسماء تتماشى مع ثورة 1952 أصبحت منطقة ميدان الحرية تغير اسمها إلى ميدان التحرير وكانت محلاً للمسيرات السنوية للاحتفال.

وفي عام 1953 قام المهندس المعماري سيد كريم في وقت التحول الكبير في السياسة المصرية نشر تخطيطاً أملاً في التأثير على النظام الجديد ونشر في مجلته مجلة آل العمارة ومصر المعماري الرائدة إعادة تصميم منطقة ثكنات قصر السابقة دعى التخطيط لبناء فندق في موقع ثكنات قصر النيل مع كازينو يمتد إلى النيل وهدم للمتحف المصري واستبداله بمبنى متعدد المستويات قال أنه سيكون متحف الحضارة المصرية ومباني لوزارة الشؤون الخارجية وادارة الاذاعة والتلفزيون وأخيراً سلسلة من التماثيل تمجد ثورة 1952 ونصب تذكاري ضخم للجندي المجهول وقد صممه الفنان فتحي محمود ولكن رؤية كريم مثل آخرين قبله لم تنفذ أبداً.

رمزيته
ـــــــــــــــــــــ
رمز ميدان التحرير إلى حرية الشعوب وصمودها فشهد اول تحرر للمرأه في مصر عندما خلعت اليشمك في ميدان التحرير في ثورة 1919 فعرف منذ ذلك الوقت بالتحرير ولكنه لم يسمى التحرير رسمياً الا بعد ثورة 23 يوليو كما انه شهد عدة مواجهات بين المحتجين والقوات الأمنية منها أحداث ثورة 1919 وثورة الخبز في 18 و 19 من يناير عام 1977، ومنها أيضا ثورة 25 يناير عام 2011، وانتهت تلك الثورة إلى إسقاط النظام الحاكم للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، والذي أصبح رمزا للمتظاهرين وصمودهم وحريتهم.

معالمه
ـــــــــــــــــــــ
توجد به العديد من الأماكن الشهيرة مثل:

المتحف المصري.
مجمع المصالح الحكومية المعروف اختصاراً بمجمع التحرير، والذي قام بتصميمه د.م محمد كمال إسماعيل.
القصر القديم لوزارة الخارجية المصرية.
جراج عمر مكرم (المكون من أربع طوابق تحت الأرض ويتكون سطحه من حديقة عامة يتوسطها تمثال عمر مكرم).
يتم حاليا إنشاء جراج التحرير أمام المتحف المصري لحل أزمة الإنتظار بالعاصمة.
يوجد بالميدان إحدى أكبر محطات مترو القاهرة الكبرى وهي محطة السادات والتي تضم الخط الأول والثاني معا.

صينية التحرير
ـــــــــــــــــــــ
في بداية الخمسينيات، كان ميدان التحرير يحتوي على قاعدة لتمثال لم يُوضع. كان من المقرر أن يثبت على القاعدة تمثال للخديوي إسماعيل، وذلك ضمن مشروع تحمس له الملك فاروق آنذاك للربط بين ميدان التحرير - الذى كان يعرف آنذاك بميدان الإسماعيلية - وميدان عابدين - حيث يوجد قصر عابدين المقر الرسمى للملك - من خلال توسيع الشارع الذى يربط بينها، وإقامة تمثال لوالده الملك فؤاد فى ميدان عابدين، وتمثال لجده الخديوي إسماعيل، فى ميدان الإسماعيلية، وبذلك يتم الربط بين الماضى والحاضر، والخديوي إسماعيل هو الذى أنشأ ميدان الإسماعيلية، وبنى قصر عابدين وابنه الملك فؤاد هو الذى أعاد تجديد كوبرى قصر النيل، وتم فى عهده تسوير قصر عابدين وهو ما يتيح للملك فاروق أن يطل على والده وجده وأن يذكر المصريين بما أدياه للوطن.[2]

ومع أن تمثال فؤاد كان قد أقيم بالفعل، ونصب فى ميدان عابدين، وأحيط بسواتر من الخيش، انتظاراً للانتهاء من نصب تمثال الخديو إسماعيل على القاعدة المخصصة له فى ميدان الإسماعيلية، إلا أن الأوضاع السياسية ما لبثت أن تغيرت فقامت ثورة 23 يوليو 1952، ليتوقف المشروعان، وبعد شهور من قيامها، أزيل تمثال الملك فؤاد من ميدان عابدين، الذى اتخذ منه قادة الثورة ساحة لإلقاء خطبهم، بينما ظلت قاعدة تمثال الخديو إسماعيل مكانها ورؤى الاحتفاظ بها، واتخذت لسنوات طويلة مكاناً لإضاءة شعلة التحرير التى كانت تصل من أسوان إلى القاهرة، فى أعياد الثورة من كل عام. وقيل أن الرئيس عبد الناصر يحتفظ بها لإقامة تمثال له وهو الاقتراح الذى تبناه الكاتب توفيق الحكيم بعد رحيله، لكن خلفه أنور السادات، لم يأخذ به وأصم أذنيه عن إقامة تمثال عبد الناصر، وقيل أنه احتفظ بالقاعدة لكى تكون قاعدة تمثال له، وهو ما طالب به بالفعل المتحمسون له من أركان دولته بعد رحيله، لكن محافظة القاهرة اكتفت بإطلاق اسمه على الميدان، الذى لا يزال اسمه هو ميدان أنور السادات - التحرير سابقاً. اللافت في هذا السياق أن المصريين لا يعترفون بالاسم المباركي لهذا الميدان وهو ميدان أنور السادات وهي التسمية التي اعتمدت لمحطة قطارات مترو الأنفاق بالمنطقة، حيث ظل الناس يطلقون عليه اسم ميدان التحرير وظل محتفظاً باسمه. وما كاد مشروع مترو الأنفاق يبدأ، حتى تطلب الأمر هدم القاعدة، ليختفى الجدل حول إعادة إقامتها والبحث عن صاحب التمثال الذى يعتليها.

أثناء ثورة 25 يناير أصبحت صينية التحرير بمثابة مقر لتمركز المعتصمين في ميدان التحرير، وفي 1 أكتوبر 2011، اعتصم المتظاهرون في الصينية رافعين أعلام مصر ومتخطين قوات الأمن الذين ركزوا جهدهم على حصارها. [4]

أهمية ميدان التحرير
ـــــــــــــــــــــ
برغم أن ميدان التحرير أكبر ميادين القاهرة ورغم أهميته إلا أنه لا يعد أهمها على الإطلاق فيسبقه من حيث الأهمية ميدان رمسيس لوجود محطة مصر فيه كذلك لوجود الموقف الأكثر اتساعا في العاصمة وكذلك لتفرع وسائل المواصلات منه، كذلك يأتي ميدان العتبة في الأهمية قبل ميدان التحرير وذلك كون ميدان العتبة المركز التجاري الأول في القاهرة.

شوارع تتفرع من ميدان التحرير
ـــــــــــــــــــــ
يعتبر ميدان التحرير من الميادين القليلة في القاهرة ذات التخطيط الجيد الفريد إذ يتفرع منه على شكل شعاع وإليه عدد ليس بالقليل من أهم شوارع وميادين العاصمة المصرية القاهرة نذكر منها:

شارع البستان الذي يوجد فيه أهم مراكز التسوق في وسط القاهرة بالإضافة إلى العديد من البنوك ومؤسسات الدولة مثل وكالة أنباء الشرق الأوسط التي تقع في تفرع شارع هدي شعراوي المتفرع من شارع البستان.
شارع محمد محمود البسيوني.
شارع طلعت حرب.
شارع التحرير.
شارع الفلكي.
شارع القصر العيني (والذي يضم مقر لتسع وزارات مصرية ويضم أيضا مجلسي الشعب والشورى).
ميدان طلعت حرب.
ميدان الشهيد عبد المنعم رياض.
ميدان محمد فريد.
شارع شامبليون.
شارع قصر النيل.

صور لميدان التحرير 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة لميدان التحرير 1896
صورة لميدان التحرير 1896
صورة ميدان التحرير أوائل القرن العشرين
ميدان التحرير 1920
ميدان التحرير 1920
ميدان التحرير عام 1963
ميدان التحرير عام 1963
صورة ميدان التحرير سنة 1975
صورة ميدان التحرير سنة 1975
كوبرى مشاه بميدان التحرير فى السبعينات
كوبرى مشاه بميدان التحرير فى السبعينات
صورة من 2000
صورة من 2000
صور ميدان التحرير اثناء ثورة 30 يونيو 2013
صور ميدان التحرير اثناء ثورة 30 يونيو 2013
صور ميدان التحرير اثناء ثورة 30 يونيو

ميدان التحرير عام 2021
ميدان التحرير عام 2021

عباس محمود العقاد


عباس محمود العقاد أديب ومفكر وصحفي وشاعر مصري، ولد في أسوان عام 1889م، وهو عضو سابق في مجلس النواب المصري، وعضو في مجمع اللغة العربية، لم يتوقف إنتاجه الأدبي بالرغم من الظروف القاسية التي مر بها؛ حيث كان يكتب المقالات ويرسلها إلى مجلة فصول، كما كان يترجم لها بعض الموضوعات، ويعد العقاد أحد أهم كتاب القرن العشرين في مصر، وقد ساهم بشكل كبير في الحياة الأدبية والسياسية، وأضاف للمكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات، نجح العقاد في الصحافة، ويرجع ذلك إلى ثقافته الموسوعية، فقد كان يكتب شعراً ونثراً على السواء، وظل معروفآ عنه أنه موسوعي المعرفة يقرأ في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم الاجتماع.

اشتهر بمعاركهِ الأدبية والفكرية مع الشاعر أحمد شوقي، والدكتور طه حسين، والدكتور زكي مبارك، والأديب مصطفى صادق الرافعي، والدكتور العراقي مصطفى جواد، والدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، كما اختلف مع زميل مدرسته الشعرية الشاعر عبد الرحمن شكري، وأصدر كتابا من تأليفهِ مع المازني بعنوان الديوان هاجم فيهِ أمير الشعراء أحمد شوقي، وأرسى فيهِ قواعد مدرسته الخاصة بالشعر، توفي العقاد في القاهرة عام 1964م.

حياته
ولد العقاد في أسوان في (29 شوال 1306 هـ - 28 يونيو 1889)، لأب مصري وأم من أصول كردية.
اقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط؛ لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، حيث ولد ونشأ هناك، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان. واعتمد العقاد فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدًا، ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضًا؛ حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للأجانب من السائحين المتوافدين لمحافظتي الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والإطلاع على الثقافات البعيدة. وكما كان إصرار العقاد مصدر نبوغه، فإن هذا الإصرار كان سببًا لشقائه أيضًا، فبعدما جاء إلى القاهرة وعمل بالصحافة وتتلمذ على يد المفكر والشاعر الأستاذ الدكتور محمد حسين محمد، خريج كلية أصول الدين من جامعة القاهرة. أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. وعمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط، وعمل بالسكك الحديدية لأنه لم ينل من التعليم حظاً وافراً حيث حصل على الشهادة الابتدائية فقط، لكنه في الوقت نفسه كان مولعا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب، والتحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية.

توفى العقاد في 26 شوال 1383 هـ الموافق 12 مارس 1964 ولم يتزوج أبدا.

وظائف الحكومة
اشتغل العقاد بوظائف حكومية كثيرة في المديريات ومصلحة التلغراف ومصلحة السكة الحديد وديوان الأوقاف. لكنه استقال منها واحدة بعد واحدة. ولما كتب العقاد مقاله الشهير "الاستخدام رق القرن العشرين" سنة 1907، كان على أهبة الاستعفاء من وظائف الحكومة والاشتغال بالصحافة.

بعد أن مل العقاد العمل الروتيني الحكومي. وبعد ان ترك عمله بمصلحة البرق، اتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور. وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه. وتوقفت الصحيفة عن الصدور بعد فترة. وهو ماجعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه. فاضطر إلى إعطاء بعض الدروس ليحصل قوت يومه. ومما قاله العقاد عن تجاربه مع وظائف الحكومة:

   عباس محمود العقاد ومن السوابق التي أغتبط بها أنني كنت فيما أرجح أول موظف مصري استقال من وظيفة حكومية بمحض اختياره، يوم كانت الاستقالة من الوظيفة والانتحار في طبقة واحدة من الغرابة وخطل الرأي عند الأكثرين. وليس في الوظيفة الحكومية لذاتها معابة على أحد، بل هي واجب يؤديه من يستطيع، ولكنها إذا كانت باب المستقبل الوحيد أمام الشاب المتعلم فهذه هي المعابة على المجتمع بأسره.
وتزداد هذه المعابة حين تكون الوظيفة كما كانت يومئذ عملا آليا لا نصيب فيه للموظف الصغير والكبير غير الطاعة وقبول التسخير، وأما المسخر المطاع فهو الحاكم الأجنبي الذي يستولي على أداة الحكم كلها، ولا يدع فيها لأبناء البلاد عملا إلا كعمل المسامير في تلك الأداة.    عباس محمود العقاد
   عباس محمود العقاد كنا نعمل بقسم التكلفات أي تدوين الملكيات الزراعية أيام فك الزمام، وليس أكثر في هذه الأيام من العقود الواردة من المحاكم ومن الأقاليم فلا طاقة للموظف بإنجاز العمل مرة واحدة فضلا عن إنجازه مرتين.
وكنت أقرر عددا من العقود أنجزه كل يوم ولا أزيد عليه ولو تراكمت الأوراق على المكتب كالتلال، ومن هذه العقود عقد أذكره تماما.. كان لأمين الشمسي باشا والد السيد علي باشا الشمسي الوزير السابق المعروف، مضت عليه أشهر وهو بانتظار التنفيذ في الموعد الذي قررته لنفسي. وجاء الباشا يسأل عنه فرأيته لأول مرة، ورأيته لا يغضب ولا يلوم حين تبينت له الأعذار التي استوجبت ذلك القرار.    عباس محمود العقاد
   عباس محمود العقاد إن نفوري من الوظيفة الحكومية في مثل ذلك العهد الذي يقدسها كان من السوابق التي أغتبط بها وأحمد الله عليها.. فلا أنسى حتى اليوم أنني تلقيت خبر قبولي في الوظيفة الأولى التي أكرهتني الظروف على طلبها كأنني أتلقى خبر الحكم بالسجن أو الأسر والعبودية.. إذ كنت أؤمن كل الإيمان بأن الموظف رقيق القرن العشرين    عباس محمود العقاد
العمل بالسياسة
بعد أن عمل بالصحافة، صار من كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، فدخل في معارك حامية مع القصر الملكي، مما أدى إلى ذيع صيته واُنْتخب عضوًا بمجلس النواب. سجُن بعد ذلك لمدة تسعة أشهر عام 1930 بتهمة العيب في الذات الملكية؛ فحينما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، ارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلًا: «إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه». وفي موقف آخر أشد وطأةً من الأول، وقف الأديب الكبير موقفًا معاديًا للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى إن أبواق الدعاية النازية وضعت اسمه بين المطلوبين للعقاب، وما إن اقترب جنود إرفين روميل من أرض مصر حتى تخوف العقاد من عقاب الزعيم النازي أدولف هتلر، وهرب سريعًا إلى السودان عام 1943 ولم يعد إلا بعد انتهاء الحرب بخسارة دول المحور.

فكر العقاد
كان العقاد ذا ثقافة واسعة، إذ عرف عنه انه موسوعي المعرفة. فكان يقرأ في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم النفس وعلم الاجتماع، وقد قرأ وأطلع على الكثير من الكتب، وبدأ حياته الكتابية بالشعر والنقد، ثم زاد على ذلك الفلسفة والدين. ولقد دافع في كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيا وعلميا ككتاب «الله» وكتاب «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه»، ودافع عن الحرية ضد الشيوعية والوجودية والفوضوية (مذهب سياسي)، وكتب عن المرأة كتابا عميقا فلسفيا اسماه هذه الشجرة، حيث يعرض فيه المرأة من حيث الغريزة والطبيعة وعرض فيه نظريته في الجمال.

يقول العقاد ان الجمال هو الحرية، فالإنسان عندما ينظر إلى شيء قبيح تنقبض نفسه وينكبح خاطره ولكنه إذا رأى شيئا جميلا تنشرح نفسه ويطرد خاطره، اذن فالجمال هو الحرية، والصوت الجميل هو الذي يخرج بسلاسه من الحنجرة ولا ينحاش فيها، والماء يكون آسنا لكنه إذا جرى وتحرك يصبح صافيا عذبا. والجسم الجميل هو الجسم الذي يتحرك حرا فلا تشعر ان عضوا منه قد نما على الآخر، وكأن أعضاءه قائمة بذاتها في هذا الجسد. وللعقاد إسهامات في اللغة العربية إذ كان عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة واصدر كتبا يدافع فيها عن اللغة العربية ككتابه الفريد من نوعه اللغة الشاعرة.

معاركهُ الأدبية
وفي حياة العقاد معارك أدبية جَعَلتْهُ نهمَ القراءة والكتابة، منها: معاركه مع الرافعي وموضوعها فكرة إعجاز القرآن، واللغة بين الإنسان والحيوان، ومع طه حسين حول فلسفة أبي العلاء المعري ورجعته، ومع الشاعر جميل صدقي الزهاوي في قضية الشاعر بين الملكة الفلسفية العلمية والملكة الشعرية، ومع محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في قضية وحدة القصيدة العضوية ووحدتها الموضوعية ومعارك أخرى جمعها عامر العقاد في كتابه: «معارك العقاد الأدبية».

شعره
أول دواوين العقاد حمل عنوان "يقظة الصباح" ونشر سنة 1916 وعمر العقاد حينها 27 سنة. وكتب العقاد في حياته عشرة دواوين شعر. وقد ذكر العقاد في مقدمة كتابهِ "ديوان من دواوين" أسماء تسعة دواوين له مرتبة وهي: يقظة صباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، وأشجان الليل، ووحي الأربعين، وهدية الكروان، وعابر سبيل، وأعاصير مغرب، وبعد الأعاصير. ثم كتب آخر دواوينه وهو "ما بعد البعد". في عام 1934 نظم العقاد نشيد العلم. وقد غني نشيده هذا واذيع في المذياع في حينها. وكان قد لحنه الملحن عبد الحميد توفيق زكي.

قد رفعنا العلم للعلا والفدا
في عنان السماء

حي أرض الهرم حي مهد الهدى
حي أم البقاء

كم بنت للبنين مصر أم البناة
من عريق الجدود

أمة الخالدين من يهبها الحياة
وهبته الخلود

فارخصي يا نفوس كل غال يهون
وهبته الخلود

إن رفعنا الرؤوس فليكن ما يكون
ولتعش يا وطن

ولتعش يا وطن

وفي عام 2014 صدر كتاب بعنوان "المجهول والمنسي من شعر العقاد" من إعداد أحد تلاميذ العقاد وهو الباحث محمد محمود حمدان. وقد جمع في هذا الكتاب القصائد والأشعار غير المنشورة للعقاد.

تكريم العقاد
في أبريل من عام 1934 أقيم حفل تكريم للعقاد في مسرح حديقة الأزبكية حضره العديد من الأدباء ومجموعة من الأعلام والوزراء. وألقى الدكتور طه حسين في هذا الحفل كلمة مدح فيها شعر العقاد فقال: «تسألونني لماذا أومن بالعقاد في الشعر الحديث وأومن به وحده، وجوابي يسير جدا، لأنني أجد عند العقاد مالا أجده عند غيره من الشعراء... لأني حين أسمع شعر العقاد أو حين أخلو إلى شعر العقاد فإنما أسمع نفسي وأخلو إلى نفسي. وحين اسمع شعر العقاد إنما اسمع الحياة المصرية الحديثة وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث».

ثم أشاد طه حسين بقصائد العقاد ولا سيما قصيدة ترجمة شيطان التي يقول إنه لم يقرأ مثلها لشاعر في أوروبا القديمة وأوروبا الحديثة. ثم قال طه حسين في نهاية خطابه: «ضعوا لواء الشعر في يد العقاد وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء فقد رفعه لكم صاحبه».

نقد شعر العقاد
يقول الدكتور جابر عصفور عن شعر العقاد: «فهو لم يكن من شعراء الوجدان الذين يؤمنون بأن الشعر تدفق تلقائي للانفعالات ... بل هو واحد من الأدباء الذين يفكرون فيما يكتبون، وقبل أن يكتبوه، ولذلك كانت كتاباته الأدبية "فيض العقول"... وكانت قصائده عملا عقلانيا صارما في بنائها الذي يكبح الوجدان ولا يطلق سراحه ليفيض على اللغة بلا ضابط أو إحكام، وكانت صفة الفيلسوف فيه ممتزجة بصفة الشاعر، فهو مبدع يفكر حين ينفعل، ويجعل انفعاله موضوعا لفكره، وهو يشعر بفكره ويجعل من شعره ميدانا للتأمل والتفكير في الحياة والأحياء».

ويقول زكي نجيب محمود في وصف شعر العقاد: «إن شعر العقاد هو البصر الموحي إلى البصيرة، والحس المحرك لقوة الخيال، والمحدود الذي ينتهي إلى اللا محدود، هذا هو شعر العقاد وهو الشعر العظيم كائنا من كان كاتبه... من حيث الشكل، شعر العقاد أقرب شيء إلى فن العمارة والنحت، فالقصيدة الكبرى من قصائده أقرب إلى هرم الجيزة أو معبدالكرنك منها إلى الزهرة أو جدول الماء، وتلك صفة الفن المصري الخالدة، فلو عرفت أن مصر قد تميزت في عالم الفن طوال عصور التاريخ بالنحت والعمارة عرفت أن في شعر العقاد الصلب القوي المتين جانبا يتصل اتصالا مباشرا بجذور الفن الأصيل في مصر».

مؤلفاته

تمثال عباس العقاد في أسوان.
منذ تعطلت جريدة الضياء في عام 1936، وكان العقاد فيها مديرا سياسيا، انصرف جهده الأكبر إلى التأليف والتحرير في المجلات. فكانت أخصب فترة إنتاجا. فقد ألف فيها 75 كتابا من أصل نحو 100 كتاب ونيف ألفها. هذا عدا نحو 15 ألف مقال أو تزيد مما يملأ مئات الكتب الأخرى.

من مؤلفات العقاد المؤرخة:

المؤلفات المبكرة
أصدرت دار الهلال للعقاد أول كتبه خلاصة اليومية والشذور (1912)
الإنسان الثاني (1913)، ويناقش في هذا الكتاب المكانة والاحترام الذي أحرزته المرأة في الحضارة الحديثة.
ساعات بين الكتب (1914)، قراءة منوعة لكتب الفلسفة والتراث والشعر.
خرج أول دواوينه يقظة الصباح (1916) وقد احتوى الديوان على قصائد عديدة منها «فينوس على جثة أدونيس» وهي مترجمة عن شكسبير وقصيدة «الشاعر الأعمى» و«العقاب الهرم» و«خمارويه وحارسه» و«رثاء أخ» وترجمة لقصيدة «الوداع» للشاعر الإسكتلندي روبرت برنز.
ديوان وهج الظهيرة (1917)
ديوان أشباح الأصيل (1921)
الديوان في النقد والأدب، بالاشتراك مع إبراهيم عبدالقادر المازني. وقد خصص لنقد أعلام الجيل الأدبي السابق عليهما مثل أحمد شوقي ولطفي المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي (1921)
الحكم المطلق في القرن العشرين (1928). كانت مصر في ذلك الوقت تحت الاحتلال البريطاني، وكان موسوليني قد ظهر في إيطاليا، فألف كتابه هذا وحمل فيه على الحكم الاستبدادي. يقول الكاتب والناقد رجاء النقاش عن الكتاب: "وهو كتاب صغير مجهول، أهداه العقاد إلى مصطفي النحاس باشا. وكان العقاد أيامها منتميا إلي حزب الوفد. وفي هذا الكتاب يدافع العقاد عن الديمقراطية دفاعا قويا ويؤكد أن الديمقراطية هي التي تحمي البلدان والشعوب من الاضطرابات. وأن البلدان الديمقراطية هي التي تنتصر في الحروب، بينما تنهزم الدول القائمة علي الديكتاتورية." ثم أصدر كتابه اليد القوية في مصر (1928). وموضوعه الأحداث السياسية الجارية في مصر وقتها.
ديوان أشجان الليل (1928)
الفصول (1929). وهو مجموعة من المقالات الأدبية والاجتماعية والخواطر، كانت تنشر في صحف ومجلات ما بين عامي 1913 و1922. وكتاب فلسفي هو مجمع الأحياء (1929).
فترة الثلاثينات والأربعينات
ديوان هدية الكروان (1933)
سعد زغلول، عن حياة السياسي المعروف سعد زغلول وثورة 1919 (1936)
ديوان عابر سبيل. وكتاب نقدي تاريخي بعنوان: شعراء مصر وبيانهم في الجيل الماضي 1355 - 1937، عبارة عن مقالات كل مقال عن شاعر من جيل معين. إضافة على إعادة طبع ساعات بين الكتب. (1937)
بعد خروجه من السجن ببضعة أعوام كتب لمجلة "كل شيء" في موضوع "حياة السجن" عدة مقالات جمعها في كتاب بعنوان: عالم السدود والقيود (1937)
سارة (1938)، سلسلة مقالات بعنوان "مواقف في الحب" كتبها لمجلة الدنيا الصادرة عن دار الهلال، والتي جمعها فيما بعد في هذا الكتاب.
رجعة أبي العلاء (1939)، كتاب يبحث في فكر وفلسفة الشاعر أبو العلاء المعري.
هتلر في الميزان، دراسة في شخصية القائد الألماني أدولف هتلر، وكان بعض المصريين وقت الحرب العالمية الثانية يميلون إلى هتلر لأنهم ضد الاحتلال الإنجليزي. لكن العقاد عكس ذلك كان ضد هتلر والنازية. النازية والأديان، دراسة في رؤية النازية للمسيحية. (1940)
أبو نواس، دراسة في شخصية الشاعر أبو نواس.
عبقريات: عبقرية محمد، عبقرية عمر (1941)
ديوان العقاد
ديوان وحي الأربعين. وديوان أعاصير مغرب (1942)
الصديقة بنت الصديق، دراسة عن عمر بن أبي ربيعة (1943)
ابن الرومي حياته من شعره
عمرو بن العاص، دراسة أدبية عن جميل وبثينة (1944)
هذه الشجرة، الحسين بن علي، بلال بن رباح، داعي السماء، عبقرية خالد بن الوليد، فرنسيس باكون، عرائس وشياطين، في بيتي (1945)
ابن سينا، أثر العرب في الحضارة الأوربية (1946)
الله، الفلسفة القرآنية (1947)
غاندي، عقائد المفكرين (1948)
عبقرية الإمام (1949)
عاهل جزيرة العرب / الملك عبد العزيز
فترة الخمسينات والستينات
ديوان بعد الأعاصير، برناردشو، فلاسفة الحكم، عبقرية الصديق (1950)
الديمقراطية في الإسلام، ضرب الإسكندرية في 11 يولية، محمد علي جناح، سن ياتسن، بين الكتب والناس (1952)
عبقرية المسيح، إبراهيم أبو الأنبياء، أبو نواس (1953)
عثمان بن عفان، ألوان من القصة القصيرة في الأدب الأمريكي، الإسلام في القرن العشرين (1954)
طوالع البعثة المحمدية، الشيوعية والإنسانية، الصهيونية العالمية، إبليس (1955)
معاوية في الميزان، جحا الضاحك المضحك، الشيوعية والوجودية (1956)
بنجامين فرانكلين، الإسلام والاستعمار، لا شيوعية ولا استعمار، حقائق الإسلام وأباطيل خصومه (1957)
التعريف بشكسبير (1958)
القرن العشرين، ما كان وسيكون، المرأة في القرآن، عبد الرحمن الكواكبي (1959)
الثقافة العربية أسبق من الثقافة اليونانية والعبرية، شاعر أندلسي وجائزة عالمية (1960)
الإنسان في القرآن، الشيخ محمد عبده (1961)
التفكير فريضة إسلامية (1962)
أشتات مجتمعات في اللغة والأدب (1963)
جوائز الأدب العالمية (1964)
أفيون الشعوب
بعد وفاته
المقالات النادرة - الجزء 1، دار المحرر الأدبي
المقالات النادرة - الجزء 2، دار المحرر الأدبي
المقالات النادرة - الجزء 3، دار المحرر الأدبي
المقالات النادرة - الجزء 4، دار المحرر الأدبي
المقالات النادرة - الجزء 5، دار المحرر الأدبي
كتاب السيرة الذاتية
كان الأديب طاهر الطناحي رئيس تحرير مجلة الهلال التي كان يكتب فيها العقاد يقترح على العقاد كتابة سيرته الذاتية. فوافق العقاد وارسل إلى المجلة مقالات متفرقة عن حياته جمعت بعد وفاته في كتاب واحد. يقول الطناحي في هذا الصدد:

«في نحو السابعة والخمسين من عمره اقترحت على العقاد أن يكتب كتابا عن حياته فأجابني: " سأكتب هذا الكتاب وسيكون عنوانه "عني" وسيتناول حياتي الشخصية وحياتي الأدبية والسياسية والاجتماعية" كان هذا الحديث في أواخر سنة 1946.

وكان العقاد قد كتب للمجلة قبل ذلك مقالتين "بعد الأربعين" و"وحي الخمسين"... فاعتزمت أن استكتبه في الهلال سائر فصول هذا الجانب إلى نهايته ثم أجمعه له في كتاب منفرد ... وكان أول ما كتبه بعد هذا الاتفاق مقال: إيماني في يناير 1947 ثم مقال أبي إلى آخر ما كتبه من الفصول التي قربت على الثلاثين فصلا...

فأخذت في جمع هذه الفصول وضممت إليها خمسة فصول نشرتها مجلات أخرى ... وما كدت أنتهي من جمعها حتى مرض وعاجلته المنية. فرأيت من الوفاء له أن أنشر هذا الكناب واخترت له عنوان "أنا"... فقد كان يترك لي عنوان بعض مقالاته وكتبه في الهلال».

ثم كتب العقاد كتابه حياة قلم الذي بدأ في كتابته سنة 1957. وفي الكتاب أحاديث عن حياته الاجتماعية والسياسية من بداياتها حتى ثورة 1919، وقد كان في عزمه أن يكمله ولأمر ما وقف به هذا الموقف.

تقدير العقاد

شارع عباس العقاد ليلا
تُرجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى، فتُرجم كتابه المعروف "الله" إلى الفارسية، ونُقلت عبقرية محمد وعبقرية الإمام علي، وأبو الشهداء إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما تُرجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية. وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسم العقاد على إحدى قاعات محاضراتها، وسمي باسمه أحد أشهر شوارع القاهرة وهو شارع عباس العقاد الذي يقع في مدينة نصر.

كما أنتج مسلسل بعنوان العملاق يحكي قصة حياة العقاد وكان من بطولة محمود مرسي

منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة.

طه حسين

طه حسين (1306 هـ / 15 نوفمبر 1889 - 1393 هـ / 28 أكتوبر 1973م)، أديب وناقد مصري، لُقّب بعميد الأدب العربي. غيّر الرواية العربية، مبدع السيرة الذاتية في كتابه "الأيام" الذي نشر عام 1929. يعتبر من أبرز الشخصيات في الحركة العربية الأدبية الحديثة. لا تزال أفكار ومواقف طه حسين تثير الجدل حتى اليوم.

درس في الأزهر، ثم التحق بالجامعة الأهلية حين افتتحت عام 1908، وحصل على الدكتوراه عام 1914 ثم ابتعث إلى فرنسا ليكمل الدراسة. عاد إلى مصر ليعمل أستاذا للتاريخ ثم أستاذا للغة العربية. عمل عميدا لكلية الآداب، ثم مديرا لجامعة الإسكندرية، ثم وزيرا للمعارف. من أشهر كتبه: في الشعر الجاهلي (1926) ومستقبل الثقافة في مصر (1938).

مولده ونشأته
ولد "طه حسين علي بن سلامة" يوم الجمعة 15 نوفمبر 1889، وكان سابع ثلاثة عشر من أبناء أبيه حسين، وخامس أحد عشر من أشقائهِ، في قرية الكيلو قريبة من مغاغة إحدى مدن محافظة المنيا في الصعيد الأوسط المصري ولم يمر على عيني الطفل أربعة من الأعوام حتى أصيبتا بالرمد ما أطفا النور فيهما إلى الأبد؛ ويرجع ذلك إلى الجهل وعدم جلب أهله للطبيب بل استدعوا الحلاق الذي وصف لهُ علاجا ذهب ببصره، وكان والده حسين عليّ موظفًا صغيرًا رقيق الحال في شركة السكر. أدخله أبوه كتاب القرية للشيخ محمد جاد الرب لتعلم العربية والحساب وتلاوة القرآن الكريم وحفظه في مدة قصيرة أذهلت أستاذه وأقاربه ووالده الذي كان يصحبه أحياناً لحضور حلقات الذكر، والاستماع إلى عنترة بن شداد وأبو زيد الهلالي.

تعليمه
دخل طه حسين جامع الأزهر للدراسة الدينية والاستزادة من العلوم العربية في عام 1902، فحصل فيه على ما تيسر من الثقافة، ونال شهادته التي تخوله التخصص في الجامعة، لكنه ضاق ذرعاً فيها، فكانت الأعوام الأربعة التي قضاها فيها، وهذا ما ذكره هو نفسه، وكأنها أربعون عاماً وذلك بالنظر إلى رتابة الدراسة، وعقم المنهج، وعدم تطور الأساتذة والشيوخ وطرق وأساليب التدريس.

ولما فتحت الجامعة المصرية أبوابها عام 1908 كان طه حسين أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعدداً من اللغات الشرقية كالحبشية والعبرية والسريانية، وظل يتردد خلال تلك الحقبة على حضور دروس الأزهر والمشاركة في ندواته اللغوية والدينية والإسلامية. ودأب على هذا العمل حتى سنة 1914، وهي السنة التي نال فيها شهادة الدكتوراة وموضوع الأطروحة هو: "ذكرى أبي العلاء" ما أثار ضجة في الأوساط الدينية، وفي ندوة البرلمان المصري إذ اتهمه أحد أعضاء البرلمان بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف.

وفي العام نفسه، أي في عام 1914 أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبلييه بفرنسا، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فدرس في جامعتها الفرنسية وآدابها، وعلم النفس والتاريخ الحديث. بقي هناك حتى سنة 1915، سنة عودته إلى مصر، فأقام فيها حوالي ثلاثة أشهر أثار خلالها معارك وخصومات متعددة، محورها الكبير بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية ما حدا بالمسؤولين إلى اتخاذ قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له لتغطية نفقات دراسته في الخارج، لكن تدخل السلطان حسين كامل حال دون تطبيق هذا القرار، فعاد إلى فرنسا من جديد لمتابعة التحصيل العلمي، ولكن في العاصمة باريس فدرس في جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث وأعد خلالها أطروحة الدكتوراة الثانية وعنوانها: ((الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون))، وكان ذلك عام 1918 إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني، والنجاح فيه بدرجة الامتياز، وفي غضون تلك الأعوام كان قد تزوج من سوزان بريسو الفرنسية السويسرية الجنسية التي ساعدته على الإطلاع أكثر فأكثر باللغة الفرنسية واللاتينية، فتمكن من الثقافة الغربية إلى حد بعيد.

كان لهذه السيدة عظيم الأثر في حياته، فقامت لهُ بدور القارئ فقرأت عليهِ الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تمت كتابتها بطريقة برايل حتى تساعده على القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديق الذي دفعه للتقدم دائماً وقد أحبها طه حسين حباً جماً، ومما قاله فيها أنه "منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم"، وكان لطه حسين اثنان من الأبناء هما: أمينة ومؤنس.

أساتذته
كان الأستاذ الأول لطه حسين هو الشيخ محمد جاد الرب، الذي علمه مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وتلاوة القرآن الكريم في الكتاب الذي كان يديره بمغاغة في عزبة الكليو.

وتلقى العلم في الجامع الأزهر على يد عدد من الأساتذة والمشايخ وكان من أبرزهم: سيد المرصفي، والشيخ مصطفى المراغي، والشيخ محمد بخيت، والشيخ عطا، والشيخ محمد عبده، وقد أعجب بادئ الأمر كثيراً بآراء هذا الأخير واتخذه مثالاً في الثورة على القديم والتحرر من التقاليد.

وتتلمذ طه في الجامعة المصرية على يد كل من أحمد زكي في دروس الحضارة الإسلامية، أحمد كمال باشا في الحضارة المصرية القديمة، والمستشرق جويدي في التاريخ والجغرافيا. أما في الفلك فتتلمذ على كارلو ألفونسو نللينو، وفي اللغات السامية القديمة على المستشرق ليتمان، وفي الفلسفة الإسلامية على دافيد سانتلانا، وفي تاريخ الحضارة الشرقية القديمة على ميلوني، والفلسفة على ماسينيون، والأدب الفرنسي على كليمانت.

أما في جامعة باريس فدرس التاريخ اليوناني على غلوتسس، والتاريخ الروماني على بلوك، والتاريخ الحديث على سيغنوبوس، وعلم الاجتماع على اميل دوركايم، وقد أشرف هذا ومعه بوغليه على أطروحته عن فلسفة ابن خلدون الاجتماعية بمشاركة من بلوك وكازانوفا.

عودته لمصر
لما عاد طه حسين إلى مصر عام 1919 عين أستاذا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية، وكانت جامعة أهلية، فلما ألحقت بالدولة عام 1925 عينته وزارة المعارف أستاذاً فيها للأدب العربي، فعميداً لكلية الآداب في الجامعة نفسها، وذلك عام 1928، لكنه لم يلبث في العمادة سوى يوم واحد؛ إذ قدم استقالته من هذا المنصب تحت تأثير الضغط المعنوي والأدبي الذي مارسه عليه الوفديون، خصوم الأحرار الدستوريين الذي كان منهم طه حسين.

وفي عام 1930 أعيد طه حسين إلى عمادة الآداب، لكن وبسبب منح الجامعة الدكتوراة الفخرية لعدد من الشخصيات السياسية المرموقة مثل عبد العزيز فهمي، وتوفيق رفعت، وعلي ماهر باشا، ورفض طه حسين لهذا العمل، أصدر وزير المعارف مرسوما يقضي بنقله إلى وزارة المعارف، لكن رفض العميد تسلم منصبه الجديد اضطر الحكومة إلى إحالته إلى التقاعد عام 1932.

على أثر تحويل طه حسين إلى التقاعد انصرف إلى العمل الصحفي فأشرف على تحرير ((كوكب الشرق)) التي كان يصدرها حافظ عوض، وما لبث أن استقال من عمله بسبب خلاف بينه وبين صاحب الصحيفة، فاشترى امتياز ((جريدة الوادي)) وراح يشرف على تحريرها، لكن هذا العمل لم يعجبه فترك العمل الصحفي إلى حين، كان هذا عام 1934.

وفي العام نفسه أي عام 1934 أعيد طه حسين إلى الجامعة المصرية بصفة أستاذ للأدب، ثم بصفة عميد لكلية الآداب ابتداء من عام 1936. وبسبب خلافه مع حكومة محمد محمود استقال من العمادة لينصرف إلى التدريس في الكلية نفسها حتى عام 1942، سنة تعيينه مديراً لجامعة الإسكندرية، إضافة إلى عمله الآخر كمستشار فني لوزارة المعارف، ومراقب للثقافة في الوزارة عينها. وفي عام 1944 ترك الجامعة بعد أن أُحيل إلى التقاعد.

وفي عام 1950، وكان الحكم بيد حزب الوفد صدر مرسوم تعيينه وزيراً للمعارف، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1952، تاريخ إقامة الحكومة الوفدية، بعد أن منح لقب الباشوية عام 1951، وبعد أن وجه كل عنايته لجامعة الإسكندرية، وعمل رئيساً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضواً في العديد من المجامع الدولي، وعضواً في المجلس العالي للفنون والآداب.

وفي عام 1959 عاد طه حسين إلى الجامعة بصفة أستاذ غير متفرغ، كما عاد إلى الصحافة فتسلم رئاسة تحرير الجمهورية إلى حين.

في مكة والمدينة
في عام 1955 ذهب طه حسين لأداء فريضة الحج، واستغرقت رحلته تسعة عشر يوماً، وكان لهذه الرحلة صدى واسع في كل مكان، وكان استقباله هناك استقبالاً مهيباً، وعرساً لا مثيل له. فكان في استقباله الملك سعود، والأمراء والأعيان والوجهاء والأدباء والإعلاميون، واحتفت به المؤسسات الثقافية والهيئات العلمية كافة. كما استقبلته هناك بعثة الأزهر الشريف، وكان من بينها الشيخ محمد متولي الشعراوي، إذ كان يعمل أستاذاً في كلية الشريعة، الذي لم يقف من طه حسين موقفاً سلبياً، مجاراة لزملائه الأزهريين المعروفة خصومتهم آنذاك لطه حسين، بل على العكس، رحب به ترحيباً كبيراً، وحيَّاه، وأعرب طه حسين عن سعادته بهذه الرحلة الإيمانية إلى الحجاز، فقال: «لقد تركتْ زيارتي للحجاز آثاراً قوية رائعة في نفسي، لا يمكن أن تصور في حديث أو أحاديث. وحسبك أنها الموطن الذي أشرق منه نور الإسلام، ونشأت فيه الحضارة العربية الإسلامية. وما أعرف قُطراً من أقطار الأرض أثَّرَ في عقول الناس وقلوبهم وأذواقهم كما أثَّرتْ هذه البلاد، وكما أثّرَ الحجاز فيها بنوع خاص».

وعن مشاعره نحو?«مكة» و?«المدينة» قال طه حسين: «هما المدينتان المقدستان اللتان تهوي إليهما أفئدة المسلمين، من زارهما منهم ومن لمْ يزرهما، ولم أكن إلاَّ واحداً من هؤلاء المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة منذ شَرَعَ الله الدين الحنيف للناس». وبعد زيارته لمدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمسجد النبوي، حاول رجال الصحافة وأعيان المدينة المنورة أن يستمعوا للدكتور طه حسين، ببيانه الساحر، ومنطقه الرائع، وأن يظفروا بما ظفر به الجمهور في مكة وجدة، لكنه أمسك عن القول، على رغم الإلحاح الشديد والمحاولات المتكررة، معتذراً عن عدم الكلام بقوله: «ما كان لي أن أتكلم في مدينة النبيّ، صلى الله عليه وسلم، وما كان لي أن أرفع صوتي وقد قال الله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ)».

وكتب الصحافي علي حافظ: «شُوهِد طه حسين أثناء وقوفه عند «الحديبية» وهو يأخذ حفنة من التراب ويُقبّلها، وعندما سئل عن ذلك قال: «لعلَّ الرسول وطئَ هنا». وسئل أيضاً عن شعوره نحو مهبط الوحي؟ فقال: «أمَّا رأيي فيها فهو رأي كل مسلم يقدِّر مهد الإسلام حق قدره، ويتمنى أن تكون مشرق النور في مستقبل أيامها كما كانت مشرق النور حين اختصها الله بكرامته، فابتعث فيها (مُحمَّداً) عليه السلام شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه القرآن هُدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان». وسئل عن أول مؤلفاته الإسلامية وآخرها، فقال: كتاب «على هامش السيرة»، وآخرها «مرآة الإسلام». كما سئل عن الشخصية التي استهوته، فقال: «أولاً رسول الله، وثانياً: عمر بن الخطاب، وثالثاً: عليّ بن أبي طالب».

في الشعر الجاهلي
في عام 1926 ألف طه حسين كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي" وعمل فيه بمبدأ ديكارت وخلص في استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين. تصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة ومنهم: مصطفى صادق الرافعي والخضر حسين ومحمد لطفي جمعة والشيخ محمد الخضري ومحمود محمد شاكر وغيرهم. كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن. فعدل اسم كتابه إلى "في الأدب الجاهلي" وحذف منه المقاطع الأربعة التي اخذت عليه.

أفكاره
دعا طه حسين إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، ولقد أثارت آراؤه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي طه بهذه الثورة ولا بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن استمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أخذ على المحيطين به ومن الأسلاف من المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونوا على قدر كبير من التمكن والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس.

من المعارضات الهامة التي واجهها طه حسين في حياته تلك التي كانت عندما قام بنشر كتابه "الشعر الجاهلي" فقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة، والكثير من الآراء المعارضة، وهو الأمر الذي توقعه طه حسين، وكان يعلم جيداً ما سوف يحدثه فمما قاله في بداية كتابه :

   طه حسين هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد لم يألفه الناس عندنا من قبل، وأكاد أثق بأن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقا آخر سيزورون عنه ازورارا. ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث أو بعبارة أصح أريد أن أقيده فقد أذعته قبل اليوم حين تحدثت به إلى طلابي في الجامعة.
وليس سرا ما تتحدث به إلى أكثر من مائتين، ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعا ما أعرف أني شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي، وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول غير حافل بسخط الساخط ولا مكترث بازورار المزور.

وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث وإن أسخط قوما وشق على آخرين فسيرضي هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة، وزخر الأدب الجديد.

   طه حسين
نقده
أخذ على طه حسين دعوته إلى الأَوْرَبة. كما أخذ عليه قوله بانعدام وجود دليل على وجود النبيين إبراهيم وإسماعيل فضلا عن زيارتهما الحجاز ورفعهم الكعبة سالكا بذلك المنهج الديكارتي في التشكيك ،ويقول في هذا الصدد.

   طه حسين للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما ولكن هذا لا يكفي لصحة وجودهما التاريخي.    طه حسين
كما أنتقد لمساندته عبد الحميد بخيت أمام الأزهر في فتوى جواز الإفطار في نهار رمضان لمن يجد أدنى مشقة. واتهم بالكفر والإلحاد 

الرد عليه
قام مصطفى صادق الرافعي بتأليف كتاب سماه تحت راية القرآن للرد على كتاب في الشعر الجاهلي وألف كذلك بين القديم والجديد للرد على كتاب ألفه طه حسين وهو مستقبل الثقافة في مصر وعلى كتاب سلامة موسى المدعو اليوم والغد. وقد صنف إبراهيم عوض مؤلفا جمع فيه أقوال النقاد والمؤرخين سماه "معركة الشعر الجاهلي بين الرافعي وطه حسين".

قام سيد قطب بتأليف كتاب أسماه "نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر لطه حسين، وممن رد عليه أنور الجندي في كتابه "محاكمة فكر طه حسين"

كما رد عليه وائل حافظ خلف في كتابه الذي أسماه "مجمع البحرين في المحاكمة بين الرافعي وطه حسين ". وألمح في آخر بحثه إلى أن طه حسين قد رجع بعدُ عن رأيه في الشعر الجاهلي بمقالة كتبها، مستدلاً بقول العلامة محمود محمد شاكر في "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" (حاشية ص163) ط/ مكتبة الخانجي - الطبعة الثانية : ((قد بينت في بعض مقالاتي أن الدكتور طه قد رجع عن أقواله التي قالها في الشعر الجاهلي، بهذا الذي كتبه، وببعض ما صارحني به بعد ذلك، وصارح به آخرين، من رجوعه عن هذه الأقوال. ولكنه لم يكتب شيئا صريحًا يتبرأ به مما قال أو كتب. وهكذا كانت عادة ((الأساتذة الكبار))! يخطئون في العلن، ويتبرأون من خطئهم في السر !!)) انتهى.

كما عارضه خالد العصيمي في بحثه "مواقف طه حسين من التراث الإسلامي".وأفرد محمود مهدي الاستانبولي في كتابه طه حسين في ميزان العلماء والأدباء فصلا عن نقد طه حسين وكذلك صابر عبد الدايم في بحثه "بين الرافعي وطه حسين تحت راية القرآن"..

مناصب وجوائز
اضطلع طه حسين خلال تلك الحقبة، وفي السنوات التي أعقبتها بمسؤوليات مختلفة، وحاز مناصب وجوائز شتى، منها تمثيلة مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في مدينة فلورنسا بإيطاليا عام 1960، وانتخابه عضوا في المجلس الهندي المصري الثقافي، والإشراف على معهد الدراسات العربية العليا، واختياره عضوا محكما في الهيئة الأدبية الطليانية والسويسرية؛ وهي هيئة عالمية على غرار الهيئة السويدية التي تمنح جائزة بوزان. ولقد رشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل، وفي عام 1964 منحته جامعة الجزائر الدكتوراة الفخرية، ومثلها فعلت جامعة بالرمو بصقلية الإيطالية، عام 1965. وفي السنة نفسها ظفر طه حسين بقلادة النيل، إضافة إلى رئاسة مجمع اللغة العربية، وفي عام 1968 منحته جامعة مدريد شهادة الدكتوراة الفخرية، وفي عام 1971 رأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية في العالم العربي، ورشح من جديد لنيل جائزة نوبل، وأقامت منظمة اليونسكو الدولية في اورغواي حفلاً تكريمياً أدبياً قل نظيره. وشغل طه حسين أيضا منصب وزير التربية والتعليم في مصر.

من أقواله
   طه حسين أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يُكره، وما يُحمد منها وما يُعاب..    طه حسين
   طه حسين ويل لطالب العلم إن رضي عن نفسه.    طه حسين
وفاته
توفي طه حسين يوم الأحد 28 أكتوبر 1973م عن عمر ناهز 84 عاما.

قال عنه عبَّاس محمود العقاد إنه رجل جريء العقل مفطور على المناجزة، والتحدي فاستطاع بذلك نقل الحراك الثقافي بين القديم والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير.

وقال عنه الدكتور إبراهيم مدكور اعتدّ تجربة الرأي وتحكيم العقل استنكر التسليم المطلق ودعا إلى البحث والتحري بل إلى الشك والمعارضة وأدخل المنهج النقدي في ميادين لم يكن مسلَّمًا من قبل أن يطبق فيها وأدخل في الكتابة والتعبير لونًا عذبًا من الأداء الفني حاكاه فيه كثير من الكُتَّاب وأضحى عميدَ الأدب العربي بغير منازع في العالم العربي جميعه وأنتج له عملا باسم مسلسل الأيام قام بدور البطولة أحمد زكي.

مؤلفاته
كتبه الفكرية  :-

على هامش السيرة.
الشيخان.
الفتنة الكبرى عثمان.
الفتنة الكبرى علي وبنوه.
مستقبل الثقافة في مصر.
مرآة الإسلام.
فلسفة ابن خلدون الإجتماعية.
نظام الإثينيين.
من آثار مصطفى عبد الرزاق.
حديث المساء.
غرابيل.
كتبه النقدية :-

في الشعر الجاهلي.
في الأدب الجاهلي.
الحياة الأدبية في جزيرة العرب.
فصول في الأدب والنقد.
حديث الأربعاء.
حافظ وشوقي
صوت أبي العلاء
مع أبي العلاء في سجنه
تجديد ذكرى أبي العلاء
مع المتنبي
من حديث الشعر والنثر
من أدبنا المعاصر
ألوان
خصام ونقد
من لغو الصيف
من الشاطيء الآخر (كتابات طه حسين بالفرنسية)
أدبنا الحديث ما له وما عليه
صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
الحياة والحركة الفكرية في بريطانيا
قادة الفكر
كتبه الإثرائية :-

المعذبون في الأرض.
الأيام.
أحلام شهرزاد.
أديب.
رحلة الربيع.
أيام العمر (رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم).
دعاء الكروان.
شجرة البؤس.
الحب الضائع.
الوعد الحق.
في الصيف.
بين بين.
أحاديث.
جنة الحيوان.
ما وراء النهر.
مدرسة الأزواج
مرآة الضمير الحديث
جنة الشوك
لحظات
نقد وإصلاح
من بعيد
من أدب التمثيل الغربي
صوت باريس (قصص مترجمة)
من هناك (قصص مترجمة)
أوديب وثيسيوس: من أبطال الأساطير اليونانية.
في مرآة الصحفي.
مذكرات طه حسين.
انظر أيضاً
مؤنس طه حسين
متحف طه حسين
المراجع
 معرف الجريدة الرسمية للدولة الإسبانية: http://www.boe.es/buscar/act.php?id=BOE-A-1950-11848
 طه حسين، مؤلف مصر. (الموسوعة البريطانية) نسخة محفوظة 12 مارس 2017 على موقع واي باك مشين.
 طه حسين بين التحرير والتغريب: دراسة نقدية لكتاب مستقبل الثقافة في مصر. نسخة محفوظة 02 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
 شوقي ضيف (1961). الأدب العربى المعاصر في مصر. القاهرة: دار المعارف. مؤرشف من الأصل في 28 مارس 2018.
 شوقي ضيف. طه حسين والشعر الجاهلي: بين نفحات المستشرقين وظلال العرب. المنهل. مؤرشف من الأصل في 28 مارس 2018.
 محمود السمرة. سارق النار. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. مؤرشف من الأصل في 28 مارس 2018.
 رؤساء جامعة الإسكندرية في 75 عاما.. أولهم طه حسين وبينهم سيدة واحدة نسخة محفوظة 28 مارس 2018 على موقع واي باك مشين.
 اتهامات مغرضة طاولت عميد الأدب العربي… أسقطها التاريخ وثائق مجهولة تكشف خفايا من حياة طه حسين ومسيرته الفكرية - علي عطا - الخميس 20 يونيو 2019 اندبندينت عربية
 كتاب الأيام، مطابع أكتوبر، ص22
 رحلة طه حسين إلى الحجاز،القاهرة - صلاح حسن رشيد | منذ 13 أكتوبر 2012 / 00:00 ، الحياة
 جاءوا من وادي الجن! أنيس منصور نسخة محفوظة 03 يناير 2014 على موقع واي باك مشين.
 معركة الشيخ بخيت وطه حسين مع الأزهر حول جواز إفطار رمضان نسخة محفوظة 17 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
 طه حسين.. الإبحار في بحر الظلمات (3) نسخة محفوظة 04 ديسمبر 2008 على موقع واي باك مشين.
 طه حسين.. الإبحار في بحر الظلمات (4) نسخة محفوظة 04 أغسطس 2008 على موقع واي باك مشين.
 بين الرافعي وطه حسين تحت راية القرآن (2 من2) نسخة محفوظة 16 فبراير 2018 على موقع واي باك مشين.
 مستقبل الثقافة في مصر، ص 41
 صفحة اقتباسات طه حسين على موقع أبجد،[وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 22 مايو 2014 على موقع واي باك مشين.
 مؤسسة هنداوي - طه حسين نسخة محفوظة 03 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
 
 تحميل مؤلفات عميد الأدب العربي طه حسين (أكثر من 70 كتابا) نسخة محفوظة 10 ديسمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
 
 هذه هي الكتب المفضلة لطه حسين من بين مؤلفاته | اليوم الجديد نسخة محفوظة 03 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
 
 

هل تعلم عبد الحليم حافظ اشهر فنان فى الوطن العربي \ قصة حياة عبد الحليم حافظ



عندما رآها مقبلة هتف في نفسه:

"يا الهي . . من أي سماء أتيت؟ . . ومن أي بطن ولدت؟ . . أمثلك يمشي على الأرض مثلنا ويلوك الشعير ؟؟".

ولكي يفوز بها، اشترط أبوها مهراً غالياً.. خيانة الوطن. فتزوجها. . واستطاعت بأنوثتها الطاغية، أن تجند "جيشاً" من الخونة.

ومثلما قتلت زوجها عشقاً.. وخضوعاً. . قادها هو بنفسه الى حبل المشنقة، ليخنق الحب والجمال . . والحياة.

ويسدل الستار على أغرب قصة حب بين ثعبان وحية. . داخل حجرة الإعدام. . !!

كلهم عيزرا

بانكشاف أمر الدكتور عيزرا خزام وأعوانه، توالى سقوط شبكات الموساد في العراق، نتيجة الخطأ الجسيم في نظام الاتصال بين الشبكات.

ذلك الخطأ الذي أفاد العراقيين، ومكنهم بسهولة من كشف تسع شبكات دفعة واحدة، مما أحدث فراغاً مخابراتياً كبيراً في إسرائيل، بسبب توقف سيل المعلومات عن الحياة المختلفة في العراق.

كان "عيزرا ناجي زلخا" أحد هؤلاء الرؤوس.. واحداً من أشرس الجواسيس وأمهرهم، الذين قادوا الصراع بالأدمغة بين المخابرات الاسرائيلية والمخابرات العراقية. .

فهو يهودي عراقي، ماكر كالثعلب، وديع كالأرنب، شرس كالنمر ذو ألف مخلب، سهل جداً أن يتلون كالحرباء وفقاً للظروف والمواقف، لكنه على كل حال ثعباني الخطر، قلما يفلت مخلوق من لدغته.

ولد عيزرا ناجي زلخا بالموصل شمالي العراق أو يناير 1927، وحصل على شهادة متوسطة أهلته للعمل موظفاً في أرشيف وزارة التجارة ببغداد.

تعرف بمعلمة يهودية اسمها "ملاذ" في المعبد اليهودي، لا تحمل قدراً كبيراً من الجمال، لكنها رقيقة تفيض عذوبة وحناناً. . فأحبها بإخلاص وتزوجا عام 1952، وعاشا معاً هانئين ترف حولهما السعادة، الى أن أصيبت فجأة بالحمى التيفودية التي سرعان ما فتكت بها، ورحلت بعد عام واحد من الزواج، فعاش حياته من بعدها وحيداً، مهموماً، منشغلاً عن متع الحياة بالسباحة في بحر الذكريات.

أشفق عيله نفر من صحبه، وفي محاولة لمساعدته ليخرج من محنته، دفع دفعاً للعمل فترة مسائية بأحد المختبرات الطبية، فاستنزفه العمل ليل نهار، لكنه برغم ذلك، ظل وفياً لزوجته الراحلة، لم يغتنم فرصة واحدة للتجاوب مع اية امرأة أخرى تتقرب اليه.

وفي أحد الأعياد اليهودية، حمل باقة زهور الى قبرها، استند برأسه الى جدار القبر، وهجمت عليه الذكريات كالأعاصير. فاستغرقته تماماً، وتلبد حاله لينخرط في بكاء مرير، حفرت دموعه التخينة أخدودين نازفين على خديه.

التفت فجأة الى صاحب اليد الحانية التي تربت على كتفه، فوجد رجلاً قارب الستين نحت الزمن آثاره على وجهه. جذبه الكهل فمشى الى جواره يقص عليه حكايته، وأحزانه فتأثر الرجل وطالبه بالصبر، وأخذ يقص هو الآخر حكايات ومأثورات ليخفف عنه، ثم حدثه عن نفسه وعن زوجته فائقة الجمال، التي ماتت هي الأخرى في شبابها وهي تلد، فلم يعثر على من تماثلها جمالاً، وعاش بلا زوجة واهباً حياته لابنته الوحيدة التي أنجبها.

كان اليهودي الكهل – واسمه "بوشاط – يعمل تاجراً متجولاً بين أحياء بغداد الشعبية، يبيع بضائعه المختلفة بالأجل، فاشتهر بين النساء الفقيرات اللاتي أقبلن على سلعه، باسمات فرحات بحديثه العذب، ومداعباته الرقيقة لأطفالهن.

وكانت زيارة عيزرا لبوشا لأول مرة. . بداية مثيرة لقصة من قصص الحب، والجاسوسية، والتوحش.

فبوشا التاجر المتوسط الحال، وقع منذ زمن في شرك الجاسوسية، وانضم لإحدى الخلايا السرية التي تعمل لصالح إسرائيل. وكانت مهمته جمع المعلومات عن فقراء اليهود في الأحياء الشعبية، ظروفهم المعيشية، وأعدادهم، وتعليمهم، وحرفهم، واتجاهات الرأي عندهم في مسألة الهجرة. فكان لذلك يكثف من زياراته للأحياء اليهودية ليكتب تقاريره عنهم. ويتردد على القبور لتصيد الأخبار من أفواه المكلومين، دون أن تعلم ابنته بنشاطه التجسسي، أو يحاول هو جرها الى العمل معه.

ذهب عيزرا مطمئناً الى صديقه الجديد بوشا الذي استقبله بترحاب كبير، وصارحه بأنه مغتبط لوفائه العظيم لزوجته الراحلة مثله. ونادى على ابنته، فأقبلت. . أقبلت "روان". . كأنما أقبلت معها رائعات الحياة جميعها، وتجمعت في وجهها الرائق الصافي الساحر.

كالأبله فغر فاه، لا يصدق أن هناك من بني البشر من هي بمثل ذلك الجمال الفتان.

مدت يدها مرحبة بالضيف فارتبك عقله، إذ سلب بريق عينيها النجلاوين ما بقي عنده من إدراك. ومست أصابعها يده فمست فؤاده. . ووجدانه.. حتى النخاع. . وهتف في نفسه:

"يا الهي . . من أي سماء أتيت. . ؟ ومن أي بطن ولدت.. ؟ أمثلك يمشي على الأرض مثلنا ويلوك الشعير .. ؟. . !!"

رجع عيزرا الى مسكنه إنساناً آخر، يشعر في قرارة نفسه بأن ابنة بوشا دحرته، وانتصرت على ذكرى الراحلة. فها هي قدماه تقودانه رغماً عنه الى "روان". وها هو القلب يدق كلما ذكرها في خياله، أو جلس قبالتها، إن شرايينه عادت تنبض بالعشق من جديد، في تحنان وانتعاش، حتى الحياة كلها من حوله، تبدلت فيها الصور. . وتجملت.

زار بوشا ذات مساء وكانت روان بمفردها . . دعته ابنة السابعة عشر للدخول فلبى، وجلس اليها كالتلميذ الغبي البليد الذي يجهل النطق والكلام.

تمنى لحظتئذ أن يصارحها بحبه. أن يضمها بين أحضانه ويدفن رأسه بين شعرها المنسدل كأستار الليل، أن يلثم أناملها وراحة يدها، ويتأمل هذا الوجه الساحر عن قرب.

استجمع جرأته وسألها هل تقبل به زوجاً، ضحكت كطفلة بريئة ملأى أنوثة، وقالت له: إن هذا الأمر بيد والدها لا بيدها، فصارح بوشا برغبته، ولحظتها. . ضحك العجوز ساخراً، وسأله كم ديناراً يملك مهراً لها؟

فأجابه عيزرا بأنه يدخر ألف دينار، ولديه سكناً وعملاً حكومياً، وراتبه يفي بمتطلبات الحياة الزوجية.

قهقه اليهودي الذي يدرك مدى هيامه بابنته، وأخبره أن مهر ابنته الوحيدة عشرة آلاف لا تنقص ديناراً واحداً.

وجم عيزرا العاشق الموله، وغادر المنزل مقهوراً، تسبح روان بدمه وتسيطر على عقله، وفؤاده، وأعصابه.

مرت به ليال طويلة مريرة وهو يفكر ما العمل؟ وصدق حدس بوشا عندما زاره عيوزرا عراضاً ألفي دينار مهراً لروان.

سأله العجوز بخبث عن مصدر الألف الثانية فقال إنه تقدم الى العمل بطلب "سلفة" تخصم من راتبه. ولما رفض طلبه للمرة الثانية، عرض عيزرا أن يستكتبه صكاً بألف دينار أخرى. لكن بوشا وافق أن تكون قيمة الصك ثمانية آلاف دينار.. على شرط.

سأله عيزرا عن شرطه الأخير، فأحكم اليهودي الخبير خنقة الشد، عندما عرض عليه مساعدته في إقناع من يعرفهم من اليهود للهجرة الى إسرائيل، فإن تحديد موعد زواجهما مرهون بمدى ما يبذله من جهد في هذا المجال.

وافق عيزرا على الفور طالما أزيلت عثرة المهر، أما مسألة هجرة اليهود فذاك أمر واجب ولا يعد تضحية في نظره. فالدولة اليهودية كانت عبر إذاعتها العربية، تبث دعايتها ليل نهار بأحقية يهود العالم في أرض الميعاد. وهو كيهودي. . تمنى أن يسافر لإسرائيل ليراها فقط قبل أن يقرر. فالدعاية المضادة في الإعلام العربي، كانت تصف إسرائيل أنها دولة الإرهاب والمذابح، وتصور الحياة بها كأنها الجحيم، وتنشر الكثير من الحوادث المؤسفة، تفضح إدعاءات إسرائيل التي واجهت كل ذلك بالرفض والاستنكار، متهمة الإعلام العربي بأنه يكذب، ويدعي، ويتحايل، لخداع اليهود، والكذب عليهم ليحجموا عن الهجرة.

كانت الحرب الدعائية دائماً في حالة غليان لا يتوقف. وكان إيمان عيزرا ناجي زلخا بقضية الوطن – إسرائيل – مزعزعاً. فهو ما عرف سوى العرق وطناً. . آمناً، يضم عشرات الآلاف من اليهود على أرضه، وينعمون جميعاً بالحرية والأمن.

وتساءل: لما لا تكون إسرائيل صادقة فيما تدعيه؟ أن اليهود عاشوا على أرض فلسطين منذ آلاف السنين، ولهم حق تاريخي في فلسطين. فلماذا يحاربهم العرب؟

ثم ماذا سيخسر ليكسب روان. . ؟ إن مجرد "إقناع" بعض اليهود بالهجرة ليس بالأمر الصعب. فالفقراء الذين سيتكلم معهم، يحسون بالضيق لسوء أحوالهم المعيشية، وقد يروا في الهجرة مخرجاً لهم من أزمتهم . إذن. . ماذا سيخسر؟

هكذا استطاع بوشا اصطياد عميل جديد للموساد، يعمل "مجاناً" عن قناعة . . واثقاً من إخلاصه للعمل، لكي يفوز بابنته الرائعة بعد ذلك. . !!

كانت تعرف

في تلك الفترة التي تأهب فيها عيزرا للعمل. . حدث انقلاب كبير على الساحة العربية. إذ وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، واحتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء، وبتدخل الولايات المتحدة انسحبت الجيوش المعتدية.

كان احتلال سيناء أمراً مدهشاً لليهود العرب، فقد ارتابوا كثيراً من قبل في قدرة الجيش الاسرائيلي على مواجهة الجيوش العربية، وتراجعوا عن فكرة الهجرة، ثقة في القوة الرادعة العربية.

أما وقد حدث العدوان واحتلال سيناء ثم الانسحاب – فقد اهتزت الصور . . واعتقد أكثر اليهود فهماً لأمور السياسة، أن العرب فوجئوا بالقوة العسكرية الإسرائيلية.. وهم بلا شك يستعدون، ويتحينون الفرصة المناسبة لضرب إسرائيل والقضاء عليها بعدما أضحت خطراً على المنطقة كلها.

هذا الرأي انتشر كانتشار النار في الهشيم بين اليهود العرب في سائر الأقطار. وبدلاً من الثقة في القدرة اليهودية، انعكس الأمر، وتحول احتلال سيناء الى نكسة مدمرة لاستراتيجية إسرائيل السياسية والعسكرية. . فتراجع أكثر اليهود عن رأيهم، وبالتالي. . أخفقت محاولات كثيرة للتأثير على اليهود وحثهم على الهجرة.

لهذا تعمدت المخابرات الاسرائيلية إذاعة حديث إبراهام دار بطل عملية "توشيا" وهي أجرأ عملية قام بها بتهريب 65 يهودياً من بورسعيد إبان العدوان الثلاثي – وكان المقصود بإذاعة حديثه عبر الراديو لعدة أيام مغزى مخابراتي.

واكب ذلك مقتل تاجر يهودي عراقي بيد لصين اقتحما داره. وأشاع عملاء الموساد أن العملية مدبرة لبث الرعب في قلوب اليهود.

انتهز بوشا حادث مقتل اليهودي لإثارة حمية عيزرا .. وتهيئة المناخ النفسي لإيقاظ حماسته. فانفعل عيزرا بغريزته كيهودي حامل لفيروس الخيانة، وأخلص كثيراً في عمله.

وإن هي إلا شهور قليلة حتى كان رصيده اثنتي عشرة أسرة يهودية، تمكن من إقناعها بالهرب الى إيران.. ومنها الى إسرائيل، ورحلة الهرب كثيراً ما كانت تبدأ من الشمال الشرقي، حيث يقوم فيها بعض العملاء من الأكراد بدور رئيسي وفعال. إذ يقودون الهاربين عبر الجبال والسهول والممرات الوعرة الى الحدود الإيرانية. . حيث يتعهدهم حرس الحدود وضباط الموساد.

هكذا ابتدأ عيزرا العمل، بداخله إحساس بالبطولة، والفخر بقدراته الخداعية التي مكنته من مؤازرة إسرائيل. فاستهوته اللعبة الخطرة المصيرية.. وقطع فيها شوطاً منحه الثقة في ألا يتراجع، لذلك كافأه بوشا بحق عندما زوجه روان.

أيام جميلة وعيزرا في العسل يمتص النعيم مصاً. . ويخوض بحور اللذات سابحة وغرقاً بين أحضان عروسه. ولم تكد تمر فترة وجيزة حتى مات بوشا .. فمات بالتالي الدين الذي صكه.

وأثناء تشييع جنازته، اقترب منه رجل لا يعرفه.. همس له ببضع كلمات واختفى. وعاد الى منزله تشوبه ملامح القلق. وسألته روان عما بداخله فصارحها بأمر أبيها ومعاونته له في تهريب اليهود. "إذن أنت بطل". . هكذا كان تعليقها وهي تعانقه، وتفجر القنبلة التي كان يمسكها بيده عندما قالت: كنت أعرف.

لقد اختصرت الطريق عليه. . وطالما هو بطل في نظرها فكل شيء يهون.

وفي مقهى قاسم جاءه الرجل الغامض. . منحه خمسمائة دينار وطلب منه أن يتلاقيا بعد أسبوع في ذات المكان والساعة.

إنه أحد عملاء الموساد في العراق. مهمته تدريب الجواسيس الجدد، وحصد المعلومات منهم وتجميعها، والربط بين الشبكات.

توالت لقاءاتهما بأماكن مختلفة ببغداد، وأخضع عيزرا لدورات في فنون التجسس. وفي غضون مرحلة قصيرة تعلم الكثير . . وأقبل على مهنته في شغف بالغ وقد تخرج في مدرسة الموساد جاسوساً مدرباً ملماً بهذا العالم المثير العجيب. . عالم الجاسوسية.

لقد انصب عمل عيزرا على تكثيف جهوده لتهريب يهود العراق. . وفي خلال عامين تمكن من تهريب أكثر من أربعمائة منهم الى عبادان عبر شط العرب. وسلك في ذلك أساليب شيطانية أنجحت مهمته، برغم التواجد الأمني المشدد، فأصبح بذلك أمهر جواسيس الموساد في بغداد.

وبينما عيزرا يتقدم في عمله بنجاح، كانت روان مشغولة بأمر فشلها في الإنجاب، يملؤها الحنين الى طفل يضيء حياتها.

وبرغم صمت زوجها وعدم اهتمامه بالأمر، إلا أنها سعت للأطباء واهتمت بالوصفات الشعبية دون فائدة. فأكلها الهم ومزقها الأسى، وحدثتها نفسها أن تفاتح زوجها برغبتها في الهرب معاً لإسرائيل، حيث تدوالت الأقاويل إمكان علاجها هناك.

لقد ظلت كثيراً تقلب هذه الفكرة في رأسها الى أن تشجعت وعرضت الفكرة عليه، فثار رافضاً في البداية ثم عاد وطلب منها الانتظار حتى "يأذنوا" له بالهرب. وانتهز الفرصة وتكلم مع مندوب الاتصال الذي يلتقي به في مواعيد محددة. فطلب منه مهلة ليعرض الأمر على رؤسائه في الموساد.

بالطبع لم يكن من السهل على الموساد أن تسحب عيزرا بعدما اتقن عمله وأجاده بحرفية عظيمة .. فعملية سحب العملاء تخضع لحسابات معقدة أهمها أن تصل درجة ثقة العميل في نفسه الى حد الغرور. . مما قد يوقعه في خطأ فادح يكشفه، نتيجة الثقة الزائدة في قدراته، والاستخفاف بقدرات رجال الأمن في القطر الذي زرع فيه. لم يصل عيزرا الى حد الخوف عليه بعد. فالمنتظر منه لا زال آتٍ بالطريق. . ولا بد من استغلاله و "استهلاكه" قبل الإذن له بالتوقف، أو السماح له بالمغادرة.

جاءه الرد كما كان متوقعاً. . فحزن كثيراً لأجل روان، وتملكه الزهو عندما أعلم بأنه منح رتبة عسكرية في الجيش الاسرائيلي، تضمن له ولأسرته معاشاً محترماً عندما ينتهي من مهمته ويفر الى إسرائيل. وأخضع لدورة تدريبية جديدة لتعلم كيفية استعمال اللاسلكي في الإرسال بعدما سلموه جهازاً لاسلكياً متطوراً. . ولا يمكن رصده بأجهزة تتبع الذبذبات التي لم تكن موجودة أصلاً بالعراق.

بذلك .. وثق عيزرا في أهمية دوره لخدمة مصالح إسرائيل في العراق، فطور كثيراً من مهامه التجسسية لتشمل جمع التقارير المهمة التي يحصل عليها من عمله في وزارة التجارة.

أيضاً نجح في تنمية علاقاته ببعض المسؤولين، وطلب الإذن بتجنيد ما يراه منهم فلم يأذنوا له. وبقدر ذهول مرؤوسيه في الموساد لمهارته في البث اللاسلكي.. أذهلهم أكثر تغلغله داخل فئات المجتمع وإرسال تقارير غاية في الأهمية عن الاقتصاد والزراعة. . وأصبحت المعلومات التي يبثها الى تل أبيب تقيم في الفئة (أ) التي تستحق عن جدارة مكافآت مالية ضخمة اتخمت بها جيوبه وبدلت نظام حياته وإنفاقه.

أشفق عيزرا على حال روان التي انزوت بين همومها بسبب حنينها الى طفل. فعرض عليها من باب "التسلية" مشاركته . . أيضاً. . طمعاً في المزيد من أموال الموساد، وكان المطلوب منها أن تبدي بشاشة لموظف بوزارة الخارجية صادقة أخيراً.

بدت المهمة صعبة في البداية، فهي لم تعرف بعد حدود تلك البشاشة، إذ ترك لها تقدير الموقف بنفسها. . وهذا يعد إذناً لها بأن تمشي في الطريق الى نهايته. .

وطني أكثر من اللازم

حاولت روان ببساطة الأنثى المثيرة التي تعد أمراً. . وبسهولة شديدة أوقعت الموظف المسيحي في حبائلها.. فأوهمته بأنها تحبه، وبأنها أصبحت لا تفكر بالهرب الى إسرائيل من أجل أن تظل الى جانبه.

انزعج "كامل" عند سماع اسم "إسرائيل" ولكي تذهب عقله وتشل تفكيره، أسلمت له نفسها فانزلق بين أحضانها يحسو الخمر نشواناً. . لا ينفك يطلب المزيد والمزيد. وهل امرأة صغيرة رائعة مثلها يشبع منها رجل . .؟ أو يفيق من سكره. . ؟

ففي غيبة الإدراك أعلنها كامل صريحة بأنه معها في أي مكان. . ولو في إسرائيل . . ولما تأكدت من إتمام سيطرتها عليه. . طلبت منه الثمن. . ثمن دخولهما إسرائيل.. فتدفقت الوثائق والتقارير من أرشيف الوزارة السري. . وكلما سلمها عشرات الوثائق الخطيرة ادعت بسخرية تفاهتها.

ومرت بهما الأيام وقل حديثها عن الحب والهرب. . إذ شغل الحديث عن مغامراته لجلب الوثائق كل المساحة بينهما.

لقد أدرك كامل بأنه وقع لأذنيه في بئر الخيانة. . فانغمس غصباً عنه لا يستطيع التراجع أو الخلاص. .

واستلذت روان اللعبة. . والمغامرة، والقتل بسلاح أنوثتها، إنها لعبة مثيرة ترضي غرورها. . وتبعدها عن التفكير في الإنجاب. فانساقت في الطريق وقد استهواها العمل واستغرقها.

أما عيزرا فلم يضيع وقتاً طويلاً في الثناء على شريكته الجديدة. إذ كلفها باصطياد ملازم أول مطار بغداد مغرور ببزته الرسمية وبالسيارة الحكومية التي تذهب به وتجيئه كل يوم.

ولأنه يسكن بالمنزل المواجه. . كان الأمر هيناً جداً. . عندما أشهرت روان أسلحتها الأنوثية الفتاكة في وجهه، فاستسلم. . وتقرب الى عيزرا الذي هيأ له المناخ الصحي للسقوط .. فسقط الشاب الصغير بلا تفكير .. وتدفقت من خلاله المعلومات الأكثر سرية عن المطار، وطائرات الشحن المحملة بالمعدات العسكرية، التي تفرغها بداخل حظائر خاصة تخضع لإجراءات أمنية صعبة، وكذا، وأعداد الخبراء السوفييت والتشيك الذين يتوافدون ويغادرون، والرحلات السرية لطائرة الرئاسة.

معلومات أشد سخونة كان يبثها عيزرا فتثير شهية الإسرائيليين.. وتدهشهم جرأة عميلهم الذي امتلك قلباً من فولاذ . . لا يقهره خوف .. أو يرتجف رعباً إذا ما قرأ بالصحف العراقية عن سقوط جواسيس للموساد أو إعدامهم.

كانت التحذيرات تجيئه آمرة إياه بألا يقرأ تلك الأخبار "الكاذبة" التي يروجها العراقيون. لكنه لم يكن يأبه لتلك المخاوف، بل كان يقرأ ليستفيد من الأخطاء التي أدت لسقوط الجواسيس، فيتجنبها، وتتضاعف بذلك خبراته. . وثروته.. بفضل حسه الأمني. . وبالمعلومات الثمينة التي يحصل عليها بفضل جسد زوجته. خاصة وقد أخبرهم بأمر انضمامها الى العمل.. وقدراتها الفائقة على السيطرة وتجنيد عملاء جدد. فكان ردهم بأنهم يقدرون ذلك. . وأن روان قد تم منحها هي الأخرى رتبة ملازم أول في جيش الدفاع الإسرائيلي . . تقديراً لتعاونها المشرف .. !!

ولأسبابا أمنية بحتة .. اشترى عيزرا منزلاً جديداً من طابق واحد في حي الكاظمية . . كان بالمنزل حديقة خلفية ذات أشجار كثيفة. . وباب يؤدي الى منطقة مهجورة مليئة بالأحراش. . وبواسطة تلسكوب مكبر كان "يمسح" المنطقة المحيطة المؤدية الى منزله قبل خروجه. . أو قبل زيارة عميل مهم.

هذا المنزل تحول الى غرفة عمليات خطيرة.. وتتم فيه عملية السيطرة على من يراد تجنيدهم.

وخلال ثلاث سنوات من انخراط روان في الجاسوسية. . استطاعت وحدها تجنيد ثلاثة عشر موظفاً عاماً في مواقع مهمة. أربعة منهم ضباط برتب مختلفة في الجيش العراقي.. وضابط بأمن المطار. . وستة آخرين يشغلون مناصب إدارية بالوزارات المختلفة. جميعهم سقطوا في قبضة روان بفضل لغة الجسد والإثارة. وتدفقت بواسطتهم أسرار العراق أولاً بأول الى إسرائيل.

وحدث أن نصبت روان شباكها حول طبيب بالجيش يحمل رتبة نقيب.. وكانت خطة استدراجه بواسطة أحد العملاء لتوقيع الكشف على زوجها. إذ تهيأت الحية الرقطاء وبدت كأن الفتنة كلها حلت بذاك الجسد.. فطابت ثمارها شوقاً لقاطفها.

ولما جاء الطبيب الأعزب تسمر مكانه.. وبدا كطفل جائع تتلوى أعضاؤه وترتجف. . فثوبها العريان لم يخف من مفاتنها أكثر مما كشف، وجسدها الأملود كان ينادي: أيها الجائع المبهوت. . هيا . . تذوق اللذات براكين من الفوران. . قناطير من النعيم السرمدي، والقطف.

وكمثل سابقيه. . فقد الطبيب مقاومته وغرق فيها عشقاً وذوباناً . وشوقاً الى الذروة . . فلم تكن تمنحه إلا بمقدار . . حتى تجيء اللحظة التي يفقد فيها العقل تماماً، فتبدأ معه المبادلة. . فكل شيء له مقابل.. وثمن.

ولما جاءت لحظة المكاشفة. . والسقوط. . لم يصدق النقيب الطبيب حسين علي عبد الله أنه بين أحضان جاسوسة محترفة، في وكر للجواسيس، فانتفض بين أحضانها وقد غاصت نشوته وقام فزعاً يرتدي ملابسه ويتوعدها بمصير مظلم.

هددته بتسجيلاته الجنسية معها فرد عليها بأنه رجل ولا عار عليه فهي تؤكد رجولته. هددته ثانية بما تفوه به في السياسة والعسكرية وأن مستقبله بيدها. فبصق عليها قائلاً إنهم سيكافئوه بالترقية لأنه سلمهم جاسوسة إسرائيلية. وهجم عليها محاولاً تكبيلها واقتيادها للسلطات، لكنه فوجئ بعيزرا أمامه يشهر مسدسه.

أحس بخطئه الكبير كرجل عسكري، فقد كان يجب عليه مسايرتها حتى يخرج من بيت الأفاعي. لكنه "كان يعتقد" أنهما بمفردهما.

لم يترك له عيزرا فرصة للتعامل معه. بل انطلقت الرصاصات الى رأسه، وتناثرت شظايا عظام جمجمته على جدران الغرفة.

صرخت روان في هلع.. وكتمت صراخها عندما بحلق فيها غاضباً. . بعينين ترسلان نظرات كاللهيب، وتكورت ترتجف في أنين خافت. .

أخذ عيزرا يسبها لأنها عجزت عن السيطرة عليه كسابقيه.. وتسرعت كثيراً في مكاشفته ثقة في جمالها.

وبخوف يشع رعباً دافعت عن نفسها، مؤكدة له بأنها طوعته جدياً لكنه "وطني مخلص أكثر من اللازم" وظلا طوال الليل يحفران قبره في الحديقة الخلفية. . ثم أهالا التراب فوق الجثة. . وانكمشت روان يفتك بها الهلع. . فهي تنام بين أحضان قاتل. . وعلى بعد خطوة من فراشها. . يرقد قتيل.

الطيار القتيل

. . حلت الكآبة بالحية تفتت عقلها. . لكن الثعبان السام لم يكن ليستسلم. . فالمجد ينتظره في إسرائيل . . وهو الآن يصنع تاريخه..

ومضى الجاسوس الداهية في طريقه قدماً تحفه الثقة ويملؤه الغرور. تسع سنوات كان لا يكل ولا يخاف. . وأعوانه منتشرون في كل مؤسسات العراق الحيوية . . يمدونه بما يذهل الإسرائيليين من معلومات عن أحشاء العراق، وشرايين الحياة المختلفة به.

وفي رسالة التكليف التي تلقاها بواسطة الراديو. . كان الأمر مختلفاً عليه. فقد كان المطلوب تجنيد طيار عسكري عراقي – وبأي ثمن – يقبل الفرار بطائرته الحربية ميج 21 الى إسرائيل.

بدأ عيزرا رحلة البحث عن طيار خائن. . ومن خلال الخونة العسكريين أعضاء شبكته، تعرف عيزرا – بشكل يبدو عفوياً – بالنقيب طيار شاكر محمود يوسف ، المولود في "محلة حسن جديد باشا" عام 1936، وسبق له أن التحق بدورات تدريبية في موسكو ولندن لزيادة كفاءته كطيار للميج 21 القتالية الاعتراضية التي ترعب إسرائيل.

التقى به عيزرا وزوجته في إحدى الحفلات. . وحاولت روان بأسلحتها الأنثوية الطاغية أن تلفت انتباهه لكنه تجاهلها. . فاغتاظت وتملكها الضيق وشكت في كونها أنثى لا ترد. حتى إذا ما استجمعت نفسها بعدها بأيام، أعلنت عيزرا بقرار اعتزالها مهمة اصطياد عراقيين جدد.

لكنه فاجأها ذت مساء حينما جاء وبرفقته شاكر، وأسر لها بأن الطيار الشاب تجاهلها في الحفل لوجود زوجته معه، وأن "الوسيط" استدرج شاكر ورأى منه الرغبة في التعرف اليها.. فتظاهر بمصاحبته وبدأت الاتصالات بينهما.

وما كادت روان تسترجع من جديد ثقتها في جاذبيتها وسحرها. . وتوشك أن تسيطر على أعصاب الطيار الولهان، حتى سافر فجأة الى أمريكا للحصول على دورة في "قيادة التشكيل" في تكساس.

هناك تولت المخابرات المركزية أمره. . فدفعت بحية أخرى في طريقه. . جيء بها خصيصاً على وجه السرعة من النمسا حيث تعمل كممرضة بالمستشفى الأمريكي بفيينا.

إنها "كروثر هلكر". . فاتنة الحسن طاغية الجمال .. التي عملت كمشرفة في نادي الطيارين الشرقيين في قاعدة التدريب الجوية بتكساس. . ونصبت شباكها حول شاكر يوسف فوقع في حبائلها لا حول له ولا قوة. فقد كان يريدها عشيقة مؤقتة بأمريكا، بينما كانت تريده زوجاً لتكتمل الخطة. . رفض رغبتها بالطبع لأنه متزوج ويحب زوجته. لكنها لم تيأس . . وظلت تحاول . . مرات ومرات الى أن فشلت. . ووضح جيداً جهل الموساد و الـسي اي اي ، فالعسكريون العرب محظور عليهم الزواج بأجنبيات.

لكن تملكت الاسرائيليين والأمريكان رغبة عارمة في السيطرة عليه وتجنيده. . ليهديهم سر أسرار الطائرة السوفييتية اللغز .. ولما عاد الى بغداد دون أن يحقق حلمهم. . طارت كروثر خلفه ونزلت بفندق بغداد الدولي واتصلت به.

ولأنها حضرت لأجله – تحرج كشرقي – واستأجر لها شقة مفروشة بمنطقة الكرادة الشرقية تطل على نهر دجلة. وأخذ يتردد عليها خفية، محاولاً إقناعها بالعودة لأنه متزوج ويعول طفلاً فلم تنصت اليه.

وعندما حدثته عن "منظمة السلام العالمي" المهتمة بنشر السلام حول العالم، صرخ فيها وهددها بأن تسافر فوراً خارج العراق، وإلا فهو مضطر لإبلاغ السلطات بسعيها لتجنيده لصالح جهات أجنبية.

عند ذلك . . ولأنها تحمل تصريحاً بالقتل، رأت أنه لا بد من تصفيته في أسرع وقت خشية افتضاح الأمر. وتنكشف بذلك نوايا الأمريكيين والإسرائيليين، فيمنع الطيارون الذين أوفدوا في بعثات للخارج من قيادة الميج 21، وصدرت الأوامر لعيزرا ناجي زلخا بالتخلص من النقيب الطيار شاكر يوسف.

وهنا قد يتساءل البعض: 
  ما علاقة عيزرا جاسوس الموساد بكروثر هلكر جاسوسة الـ C.I.A.؟

الإجابة بسيطة جداً. . فالموساد والـ C.I.A. ترتبطان معاً بعلاقات وثيقة ترسمها المصالح والنوايا المشتركة. وسواء جند طيار عربي بواسطة الموساد أو بواسطة الـ C. I.A. فسوف يهرب بطائرته الى إسرائيل، ليفحصها الأمريكان.

من هنا . . لجأت الـ C.I.A. لمعاونة الموساد في تصفية شاكر بواسطة عملائها ببغداد. وبثت الموساد امراً عاجلاً لعيزرا بالاتصال بكروثر التي تجيد العربية، وتم الاتفاق بينهما على الخطة..

وأثناء زيارة النقيب شاكر الأخيرة لهلكر بالشقة المفروشة، عمد كما في المرات السابقة الى ترك سيارته على بعد شارعين تحسباً لأي طارئ، واحتدم النقاش بينهما فهددته بأفلام وصور جنسية أخذت لهما في أمريكا فلم يهتم.

وفي آخر محاولة لإبقائه حياً، عرضت عليه مليون دولار ثمناً لطائرة الميج 21 يفر بها لإسرائيل، فلطمها على وجهها لطمة قوية انبثق لها الدم من فمها. وقبل أن يخرج من الحجرة ثائراً لإبلاغ السلطات، فاجأه عيزرا بطلقات مسدسه الكاتم للصوت، وسقط شاكر في الحال قبلما يتمكن من استعمال مسدسه.

وبينما هلكر تعد حقيبتها للحاق بالطائرة المتجهة الى لندن، انشغل عيزرا بإزالة الآثار والبصمات، وجر جثة الطيار لأسفل السرير ملفوفة ببطانية، ثم فتح أجهزة التكييف .. وغادر الشقة.

اكتشفت الجثة في 6 يوليو 1965 بعد وقوع الجريمة باسبوع. كان عيزرا في ذلك الوقت يمضى أسوأ أيام حياته على الإطلاق. إذ نشرت الصحف العراقية نبأ مقتل كروثر هلكر بأحد فنادق لندن في ظروف غامضة، بعد يومين من مغادرتها لبغداد، وصرح مسؤول أمني أن الجثة وجدت ممزقة، وبها ثلاثون طعنة بعدد سنين عمرها، هكذا تخلصت الـ C.I.A. من كروثر لإخفاء معالم الجريمة الى الأبد. فماذا عنه هو؟

دارت الدنيا بعيزرا وضاقت به على وسعها. وصور له خياله أن الموساد سوف تقتله أيضاً لأنه ستراً للجريمة. . وما كان يعلم أن أسلوب قتل العملاء بعد انتهاء مهامهم تستخدمه الـ C.I.A. فقط. أما الموساد فالجواسيس لديها بمثابة أبطال عظماء تفخر بهم وتخلدهم. لم يكن يعلم ذلك عندما عطّل جهاز اللاسلكي. واختبأ بإحدى الشقق لا يخرج هو أو روان إلا للضرورة.

وبعد احتفالات رأس السنة . . وما إن هلت أيام يناير 1966 الأولى، حتى انكشف أمر شبكته ضمن الشبكات التسع .. وجرى البحث عنه وتعقب آثاره في كل العراق.

كان يجهل أمر البحث عنه من قبل جهاز المخابرات – المكتب الثاني – فعلاقته بأعوانه كانت منقطعة طوال تلك الشهور الخمسة.

ولأن المجرم دائماً يحوم حول مسرح جريمته، تصادف أن توجه وروان لمنزل الكاظمية حيث يخبئ أجهزة التجسس. فاطمأن على وجودها، وفي المساء قاد سيارته وحده الى منزل بوشا القديم، فنام مرهقاً حتى الفجر، وأسرع بالعودة الى روان مرة أخرى وما كان يدري بما ينتظره.

ففي غبش الفجر اقتحمت المنزل قوات الأمن، وكانت روان بمفردها كالشبح.. متكورة كجنين ببطن أمه. . فلم تبد أية دهشة أوتصعق للمفاجأة.

سألوها عن عيزرا قالت بهدوء: "لن يتأخر"..

واعترفت من تلقاء نفسها بأنها جاسوسة إسرائيلية، استطاعت أن تجند جيش من اليهود العراقيين وسائر الملل بالغواية والجنس. وأرشدت عن مقبرة الضابط الطبيب بالحديقة الخلفية، وقادتهم الى مخبأ سري بداخله جهاز اللاسلكي المعطل وكتاب الشفرة وعدة كاميرات سرية، وأفلام ووثائق لم تبعث بعد للموساد.

كانت سيارات الأمن قد اختفت من المكان الذي بدا طبيعياً. واختبأ عدة ضباط بداخل المنزل ينتظرون الثعبان الكبير. وما أن جاء وخطا خطوات قليلة الى الداخل حتى هوجم وكبل في الحال.. واقتيد الى مكان سري للاستجواب، فاعترف اعترافات تفصيلية بنشاطه لمدة عشر سنوات لصالح الموساد، وسدت اعترافاته ثغرات عديدة كانت تحول دون الوصول لبقية الشبكات.

وبينما هو بالقفص، بانتظار سماع الحكم بإعدامه وروان شنقاً مع تسع آخرين، وبالرصاص خمسة عسكريين، نظرت اليه روان وقد أكلها الهزال وبرزت عظام وجهها، وقالت له إنها تشعر بالأسف على كل شيء. . لكنها سعيدة جداً لعدم إنجابهما أطفال يتعذبون من بعدهما طوال حياتهم. . حيث سيصيح الناس في كل شوارع بغداد: هؤلاء أبناء الثعبان والحية.. !!